ولا بناء مطلقا (وَأَلْقَتْ ما فِيها) لفظت ما فيها من الموتى (وَتَخَلَّتْ) أي تركت كلّ ما في بطنها. وقيل : ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها ، وتخلّت ممّا على ظهرها من الجبال وغيرها (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) وهذا ليس تكرارا لأن الآية الأولى في صفة السماء ، وهذه الآية في صفة الأرض ، وكلّ ذلك من أشراط الساعة ومجيء يوم القيامة. ومجمل الكلام أنه إذا حصلت هذه الأمور العظام التي ذكرها الله تعالى ، رأى الإنسان ما قدّمه لنفسه في ذلك اليوم. يدل على ذلك قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) أي : إنك ساع إلى ثواب ربّك سعيا متعبا ، وأنت تعمل عملا تتحمّل مشقته لتحمله معك ليوم الله العظيم. والخطاب لسائر الناس لأنه سبحانه قصد بالنداء النوع لا واحدا بالذات. فأنت تعمل لتلقى ربك بهذا الزاد (فَمُلاقِيهِ) فأنت ملاق لجزائه ، فكأن لقاء الثواب أو العقاب لقاء له. وأنت في هذه الحال صائر إلى ربّك إذ لا حكم في الآخرة إلّا له.
ثم قسّم سبحانه أحوال الناس فقال عزّ من قائل فيما يلي :
* * *
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥))
٧ ـ ١٥ ـ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ...) أي من أعطي صحيفة أعماله التي أثبتت فيها جميع طاعاته وأعماله بيده اليمنى (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً