استنّ خيرا فاستنّ به ، فله أجره ومثل أجور من اتّبعه غير منتقص من أجورهم ، ومن استنّ شرا فاستنّ به فعليه وزره ومثل أوزار من اتّبعه غير منتقص من أوزارهم. فنعوذ بالله من استنان الشر ونسأله أن ينجينا من ذلك.
* * *
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢))
٦ ـ ١٢ ـ (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ...) أي ما الذي خدعك أيّها الإنسان بخالقك ورازقك وغشّك بأن سوّل لك بالباطل حتى أنكرته وعصيته مع أنه كريم خلقك ولم يبخل عليك بنعمة من نعمه التي لا تحصى؟ وروي أن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال حين تلا هذه الآية الكريمة : غرّه جهله.
أما لفظة (الْكَرِيمِ) هنا فقالوا : هذا المنعم المحسن الذي لا يجرّ لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا بل يعطي ما عليه وما ليس عليه ، وقالوا : هو الذي يعطي الكثير ويقبل اليسير. وقيل إن من كرمه أنه لم يرض بالعفو عن السيئات بل بدّلها بالحسنات. ومن جميل الالتفات أنه قيل للفضيل بن عياض لو أقامك الله يوم القيامة بين يديه فقال : ما غرّك بربّك الكريم ، ماذا كنت تقول له؟ قال : أقول غرّني ستورك المرخاة. وقال يحيى بن معاذ : أقول غرّني بك برّك بي سالفا وآنفا. وقال بعضهم : أقول غرّني حلمك. وقال أبو بكر الوراق : أقول غرّني كرم الكريم.
وبالحقيقة إنه سبحانه وضع لفظة (الْكَرِيمِ) هنا دون سائر صفاته الشريفة ، ليلقّن الإنسان الإجابة على السؤال فيقول : غرّني كرم الكريم.