وقد عرف أصحاب الحاجات منزلته عند رجال الدولة فقصدوه بغية التوسط لقضائها ، وقد ذكر ابن شاكر الكتبي أن أحد طلابه رجاه أن يتوسط له عند الصاحب بشأن ضريبة مقدارها ٣٣٠ دينار فوضعها الصاحب عنه بعد أن أجابه القاضي على عدة مسائل فقهية وعقائدية استعصت عليه.
بقي القاضي مدة طويلة في منصبه طيلة حياة الصاحب ، ثم عزل بعد وفاته ، ويرى بعض المؤرخين أن سبب عزله ومصادرته تعود إلى نقمة فخر الدين عليه لعقوقه للصاحب ، فقد رفض أن يصلي عليه لأنه لم يعلم له توبة عن الكبائر التي ارتكبها (١).
وقد عاد القاضي بعد عزله إلى التدريس في مدينة الري ولم ينقطع عنه ولا عن التأليف والكتابة طيلة حياته.
منزلة القاضي في الفكر الإسلامي :
كان أبو الحسن عبد الجبار واسع الأفق ، متنوع الثقافة وغزيرها ، اشتهر بأنه شيخ الاعتزال وإمامه في زمانه وحق له ذلك ، فقد عمر طويلا ولم ينقطع عن التأليف والتدريس طيلة حياته. قال عنه الذهبي والسبكي إنه من غلاة المعتزلة ، وكان صاحب حجة ومعرفة واعتداد برأيه ، وكثيرا ما حاول الدفاع عن رجال الاعتزال بنقده لآراء بعض المتطرفين منهم ، أو التماس تأويلات لا تبعد كثيرا عن تأويلات أهل السنة ولعل للثقافة الفقهية أثرها الكبير في هذا الموقف.
بدأ القاضي حياته العلمية فقيها على مذهب الإمام الشافعي ، ثم انصرف إلى الكلام بعد أن وجد على حد قوله قلة الإقبال عليه لأن صاحبه لا يجني منه ثمرة دنيوية بينما كان الفقه يجذب كثيرا من طلاب الدنيا ..
ودرس القاضي الفقه ودرسه وألف فيه كتبا مطولة تشرح وتدرس (٢) كما درس التفسير وله فيه كتب عديدة منها «تنزيه القرآن عن المطاعن» ، و «متشابه القرآن» وكان على دراية واسعة بالحديث فقد سمع من كبار المحدثين وانتقل إليهم ليأخذ منهم الحديث ، وأملى فيه كتابا هو «نظام الفوائد» و «تقريب المراد للرائد» .. كما أنه لم
__________________
(١) ذكر هذا ابن الأثير ، وأبو شجاع ، وغيرهما.
(٢) منها كتاب «العمد» الذي ذكر أغلب من كتب عن القاضي أن تلميذه أبا الحسن البصري المتوفى سنة ٤٣٧ قد شرحه في كتابه «المعتمد» والصحيح أن شرح المعتمد كتاب آخر.