عنه ما يستحقه من العقوبة.
وصورتها ، أن يندم على القبيح لقبحه ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح.
وفي هل التوبة تسقط العقوبة كلام :
فالذي عليه البغداديون من أصحابنا أنها لا تأثير لها في إسقاط العقاب وإنما الله يتفضل بإسقاطه عند التوبة.
وأما عندنا فإنها هي التي تسقط العقوبة لا غير ، والذي يدل على ذلك هو أن نظير التوبة في الشاهد الاعتذار ، ومعلوم أن الجاني إذا اعتذر إلى المجنى عليه اعتذارا صحيحا فإنه ليس له أن يذمه بعد ذلك ، لا لوجه سوى أنه اعتذر إليه ، وهذا يدل على أن الاعتذار هو المسقط للذم الذي استحقه على الجناية ، وإذا ثبت ذلك في الاعتذار فكذلك في التوبة.
يبين ما ذكرناه ويوضحه ، أنه إذا تاب لا بد من أن يسقط عنه العقوبة على حد لولاها لما أسقطت ، ولن يكون كذلك إلا والمسقط لها إنما هي التوبة ، فإن بهذه الطريقة ينكشف تأثير المؤثرات ، وهو أن يقف الحكم عليه حتى يثبت بثباته ويزول بزواله.
وأحد ما يدل على ذلك ، هو أنها لو لم تكن مسقطة للعقاب ، لكان يجب أن يحسن من الله تعالى أن لا يتفضل بل يعاقب عند التوبة ، لأن التفضل إنما يبين عما ليس بتفضل بهذه الطريقة : وهو أن لفاعله أن يفعل وأن لا يفعل ، والمعلوم خلافه.
فإن قيل : إنه تعالى يتفضل ولا يعاقب لأن الأصلح أن لا يعاقب ، قلنا إن الأصلح مما لا يجب عندنا فكان يجب حسن المعاقبة بعد التوبة ، وذلك مما قد عرف خلافه.
وإذا قد تقررت هذه الجملة ، فاعلم أنه لا فرق في هذه القضية التي ذكرناها بين معصية ومعصية ، إذ التوبة إذا أسقطت عقاب بعض المعاصي فإنما تسقطها لأنها بذل المجهود في تلافي ما وقع منه ، وهذا لا يختص ببعض المعاصي دون بعض ، ولا خلاف في ذلك إلا شيء يحكى عن بعضهم أن التوبة لا تسقط عقاب القتل ، ونسب هذا المذهب إلى ابن عباس ، فقيل إنه قال : لا توبة لمن قتل نفسا بغير حق ، وذلك