جاز أن يقال إنه قد أفنى ولده ، بأن يكون المعلوم من حاله أنه لو لم يقتل ، لرزق ولدا ، وأنه يكون قد اغتصب ماله بأن يكون المعلوم من حاله أنه كان يرزق مالا لو لم يمت ، ومعلوم خلافه.
وبعد ، فكان يجب في الواحد منا إذا دخل حظيرة غيره وأتى على أغنامه أن يكون منعما عليه بذبحها أجمع ، لأنه قد جعلها مذكاة بعد أن كانت بفرض الموت ، والمعلوم خلافه.
وأما البغداديون فقد قالوا : إنه يعيش قطعا ، لأنه لو لم يعش لكان لا يكون القاتل ظالما له ، وفي علمنا لخلافه دليل على أنه كان يعيش لا محالة ، وربما يقولون : إنا نعلم من حيث العادة أن الجماعة الكبيرة لا تموت دفعة واحدة ، وإن كنا نجوز أن يقتلوا دفعة واحدة ، فكيف يصح ما ذكرتموه؟ والجواب :
أما الأول فدعوى منكم فمن أين؟ فلا يجدون إلى تصحيحه سبيلا ، يقال لهم : كيف لا يكون ظالما له وقد أوصل إليه ضررا لا نفع فيه ولا دفع ضرر ولا استحقاق ولا الظن لأحد الوجهين المتقدمين؟ وهذه صورة الظلم. وبعد ، فإنه فوت عليه الأعواض التي كان يستحقها بالإمامة من جهة الله تعالى ، فهلا صار له ظالما ، وعلى أنا نجوز أن يعيش بعد ذلك مدة فينتفع بحياته ، فهلا جعلوه ظالما والحال ما نقوله.
وأما الثاني فهو بيّن ، لأن الجماعة كما يقتلون دفعة واحدة فقد يموتون دفعة واحدة أيضا ، والعادة قد جرت بذلك فكيف ينكرها من يعرف أحوال البلدان وعرف طواعين الشام ووباء المواضع الوبيئة نعوذ بالله منها.
وإذ قد تحقق لك هذه الجملة ، وقال لك قائل : هل الآجال بقضاء الله وقدره؟ فمن الواجب عليك أن تفصل عليه الكلام فتقول : إن أردت بالقضاء الخلق فنعم ، لأن الأجل بما قد تقدم عبارة عن حركات الفلك وهي من فضل الله تعالى ، وإن أردت به الإيجاب فلا ، وإن أردت به الإعلام فمن المجوز أن يرى الله تعالى الصلاح في أن يعلم بعض الملائكة حالنا في الحياة والموت وأنا نعيش إلى مدة ونموت بعدها ، فعلى هذه الجملة يجري الكلام في هذا الفصل.