ومما يدل على أنهم هم المستحقون لهذا الاسم ، هو أنه اسم إثبات فلا يستحقه إلا المثبت للقدر ، والذي يثبتون القدر هم المجبرة ، فأما نحن فإنا ننفيه وننزه الله تعالى عن أن تكون الأفعال بقضائه وقدره ، فيجب أن يكونوا هم الموسومون بهذا الاسم.
وبهذا أبطلنا قولهم لنا : إنكم المستحقون لهذا الاسم فقد نفيتم القدر وقلتم لا قدر ، فقلنا : القدري اسم إثبات ، ولا يجري إلا على من أثبت القدر على الوجه المذموم دون من نفاه تنزيها لربه عن الأفعال القبيحة.
قالوا : أنتم بهذا الاسم أحق منا فقد أثبتم القدر لأنفسكم ، قلنا : إن القدر بمعزل عن القدرة ، فما هذه الجهالة؟ وعلى أنه لا يخلو حالنا وقد أثبتنا القدر لأنفسنا من أحد أمرين : إما أن نكون صادقين ، أو كاذبين. فإن صدقنا لم نستحق به اسم ذم وصار سبيلنا سبيل من أثبت القدرة لله تعالى ، وحكم بكونه تعالى قادرا ، فكما أنه لا يستحق بذلك أن يسمى قدريا ويجري عليه اسم من أسماء الذم ، كذلك إذا أثبتنا القدرة لأنفسنا وإن كذبنا لم يجز إجراء هذا الاسم علينا ، وصار الحال فيه كالحال فيمن أثبت الصناعة لنفسه ولا علم له بها البتة ، فكما أنه لا يستحق بذلك أن يسمى صانعا ، كذلك في مسألتنا.
قالوا : فهلا رضيتم منا بمثل هذا الكلام؟ قلنا : ولا سواء ، لأنا إنما سميناكم القدرية لقوله صلىاللهعليهوسلم : «القدرية مجوس هذه الأمة» ولأن الاسم اسم نسبة ووجوه النسبة كلها مفقودة سوى اللهج بذكر القضاء والقدر ، والذين يلهجون بذلك ليس إلا أنتم ، فاستحققتم هذا الاسم لا محالة.
قالوا : أنتم القدرية من الأمة ، فمذهبكم الذي يضاهي مذهب المجوس حيث أثبتم فاعلين صانعين ، كما أنهم أثبتوا فاعلين أحدهما النور والآخر الظلمة.
قلنا : إن مذهبنا هذا لا يضاهي مذهب المجوس ، فلسنا نثبت صانعين على الحد الذي أثبتوه ، لأن القوم جعلوا النور فاعلا للخير بطبعه على حد لا يمكنه مفارقته ، والظلمة فاعلة للشر بطبعها على حد لا يصح منها الانفكاك على حد لا يمكنه مفارقته ، والظلمة فاعلة للشر بطبعها على حد لا يصح منها الانفكاك منه ، فليس هذا حالنا : فإنا إنما أثبتنا فاعلين يفعلان ما يفعلانه على طريقة الاختيار والإيثار. وعلى أن مذهبنا إن كان يشبه مذهب المجوس من هذا الوجه فهو مشبه لمذهب اليهود والنصارى ، فالكل يوافقوننا على أن هذه الأفعال تتعلق بنا ونحن الموجودون لها ، وقد شبه النبي صلىاللهعليهوسلم القدرية بالمجوس على حد لا يشارك مذهبهم مذهب غيرهم ، وذلك ثابت في المجبرة