(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) :
وأحد ما يتلقون به قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٧] قالوا بيّن الله تعالى أن تارك الحج كافر وفي ذلك ما نريده. قلنا : لا تعلق لكم به فإنه لم يقل ولله على الناس حج البيت ومن ترك فهو كافر ، وإذا أخذتم في تفسيره وحمله على ما تذهبون إليه فسرناه على الحد الذي يوافق الأدلة ، فنقول : إن المراد به ومن ترك ذلك على وجه الاستحلال فهو كافر ، ولا شك في كفر من هذا سبيله.
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) :
ومن جملتها ، قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦)) [آل عمران : ١٠٦] قالوا : بيّن أن مسودي الوجوه إنما هم الكفرة ، ولا إشكال في كون الفساق من مسودي الوجوه فيجب أن يكونوا كفرة.
وجوابنا ، أن الآية لا تعم سائر الكفرة ، لأنه تعالى قال : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) ، فما قولكم في الكافر الأصلي؟ وكل ما هو اعتذاركم عن ذلك فهو عذرنا هاهنا ، ثم نقول لهم : ليس في تخصيص الله تعالى بعض مسودي الوجوه بالذكر ما يدل على أن لا مسودي الوجوه ، غيره ، فإن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه على ما نسمي مثاله فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) :
ومن جملتها ، قوله تعالى : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦)) قالوا : بين الله تعالى أن النار لا يدخلها إلا كافر ، وبالاتفاق إن صاحب الكبيرة من أهل النار فيجب أن يسمى كافرا.
وجوابنا ، لا تعلق : لكم بظاهر الآية لأنه قال : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦)) وليس هذا حال الفاسق ، فإذا لو كنا مستدلين بها عليكم لكان أولى. وبعد ، فأكثر ما فيه أن جهنم نارا لا يصلاها إلا الأشقياء الذين ذكرهم الله تعالى ، فمن أين أنه ليس هناك نيران أخر يصلاها غير الموصوفين بهذه الصفة ، فقد ذكرنا أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه.