لأنه أبطن الكفر وأظهر الإسلام ، وصاحب الكبيرة ليس هذه حاله فلا يستحق هذا الاسم.
فإن قيل : إن النفاق ليس بأكثر من أن يظهر خلاف ما أسره وأبطنه ، وهذا حال من يرائي ويظهر للناس أنه دين ، وإذا هو بخلافه.
قلنا : إن هذا الذي تقوله إنما يصح من طريق اللغة ، ونحن قد بينّا أن المنافق صار بالشرع اسما لهذا الكافر المخصوص. يبين ذلك أن أهل اللغة لم تفصل بين ما هو أبطنه من الإسلام أو الكفر ، فكان يجب إذا أبطن بعض الناس الإسلام وأظهر الكفر لضرورة ، أن يسمى منافقا ، والمعلوم خلافه.
وقد احتج الحسن لمذهبه بوجهين لا يصح واحد منهما :
الأول : هو أن الفاسق يستحق الذم واللعن كالمنافق سواء ، فلا يمتنع إجراء هذا الاسم عليه.
وجوابنا ، ليس يجب إذا شارك الفاسق المنافق في استحقاق الذم ، أن يشاركه في الاسم ، فمعلوم أنه يشارك الكافر في ذلك ثم لا يسمى كافرا. وبعد ، فإنه لا يستحق الذم والعقاب على الحد الذي يستحقه المنافق ، وأيضا فإن المنافق يستحق إجراء أحكام الكفرة عليه إذا علم نفاقه وليس كذلك صاحب الكبيرة ، فأنى يتساويان والحال ما قلناه.
والثاني : مما يعتمده الحسن في المسألة قوله : إني بارتكاب الفاسق الكبيرة ، علمت أن في اعتقاده خللا ، وأنه إذا أظهر الإسلام فذلك عن ظهر قلبه لا أنه قد انطوى عليه ، قال : يبين ذلك أنه لو كان معتقدا لله تعالى والثواب والعقاب لكان يكون في حكم الممنوع من ارتكابه الكبيرة ، فمعلوم أن أحدنا إذا قال له غيره : إن فعلت هذا أو تركته عاقبتك بهذه النيران المؤججة في هذا البيت ، وهو عالم بقدرته عليه وأنه لا يخلف في وعده ولا وعيده ، فإنه يكون كالمدفوع إلى أن لا يفعل ما يهدده بفعله ولا يترك ما تعلق الوعيد به ، وكذلك هاهنا ، وهذا الوجه ظاهر الفساد لأنه ليس يجب فيمن اعتقد الله تعالى بصفاته وعدله وحكمته واعتقد صدقه في وعده ووعيده أن يكون ممنوعا من ارتكاب الكبيرة ، كيف ولو كان لخرج عن كونه مكلفا ، بل لم يستحق المدح والذم والثواب والعقاب ، وكيف يصح المنع من أن يرتكب المقر بالله تعالى وعدله وحكمته وصدقه في قوله الكبيرة مع أنه يجوز أن يتوب الله تعالى عليه ويلطف له حتى يقلع عن