ولا ثوب إلا مقدار ما قد استحقه بالتوبة ، فيه حاجة إلى نفع التفضل عليه. فإن قالوا : إن ذلك شيء قد وعده الله به حيث يقول : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) فلا يثبت للشفاعة والحال ما ذكرتموه تأثير.
قلنا : إنه تعالى لم يذكر أنه يزيدهم من فضله دون شفاعة النبي ص ، فلا يمتنع تجويز أن يكون التفضل هو هذا الذي قد وعد به ، بل لا يمنع أن يتفضل عليهم نوعا آخر من التفضل ، ففضله أوسع مما يظنونه. وقد قال أبو الهذيل : إن الشفاعة إنما ثبتت لأصحاب الصغائر وذلك لا يصح ، لأن الصغائر تقع مكفرة في جنب الطاعات.
فإن قيل : إن النبي ص يشفع ليعاد ما قد انحبط بصغيرته من الثواب.
قيل له : إن ذلك قد انحبط وبطل وخرج من أن يستحق ، فكيف يصح عوده بالشفاعة؟ ثم يقال لهؤلاء المرجئة : أليس أن الأمة اتفقت على قولهم : اللهم اجعلنا من أهل الشفاعة ، فلو كان الأمر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون هذا الدعاء دعاء لأن يجعلهم الله تعالى من الفساق وذلك خلف.
فإن قالوا : أليس أن الأمة قد اتفقت على هذا فقد اتفقت على قولهم : اللهم اجعلنا من التوابين ومن أهل التوبة ، ثم لم يلزم أن يكون هذا الدعاء لأن يجعلهم فساقا ملعونين ، فهلا جاز مثله هاهنا؟
قلنا : إن بين الموضعين فرقا عندكم أن الشفاعة لا تصح ولا يثبت لها معنى إلا للفساق ، فسؤال الله تعالى ودعاؤه حتى يجعله من أهل الشفاعة دعاء له حتى يجعله من أهل الفسوق ، وليس كذلك الحال في قولنا اللهم اجعلنا من التوابين ومن أهل التوبة ، لأن هذا القول يحسن من أصحاب الصغائر والكبائر جميعا ، حتى يحسن من الأنبياء.
وأيضا ، فما من شيء نفعله من المباحات إلا ويجوز أن يقع فيها ما هو معصية ، وإذا كان ذلك مجوزا ، حسن منا الدعاء بهذه الدعوة ، ولم يتضمن الدعاء بأن يجعلنا الله تعالى من المتعاطين للأفعال القبيحة والمخلين بالواجبات ، فقد ذكرنا أن التوبة قد تحسن عما لا يقبح أصلا ، وليس هكذا حال الشفاعة عندكم ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لا بد من أن يعلم أنه إن لم يشفع له ، عاقبه الله تعالى بما ارتكبه من الكبائر.
على أن غرض الأمة بهذه الدعوة لو ثبت اتفاقهم عليها ، أن يسهل الله لهم السبيل إلى التوبة بالألطاف أو ما يجري مجراها لما هو غرضهم بتلك الدعوة ، ولا يمكنهم أن يكيلوا علينا بهذا الكيل ، فالمرء ما لم يكن من أهل الكبيرة لا تحسن