لِلْمُتَكَبِّرِينَ) قيل لهم : إن الإنابة تحتمل أن تكون إنابة إلى الإسلام ، وتحتمل أن تكون الرجوع عن المعصية ، فمن خصصه بالرجوع إلى أحد الوجهين دون الثاني ، فقد خصصه بغير دلالة. ومتى قيل : ليس هذا من ألفاظ في العموم ، حتى يقال : إنكم قد خصصتم من دون دلالة ، وإنما هو من باب ما يقال : إن العبارة الواحدة أريد بها معنيان مختلفان ، فكيف يصح لكم ذلك؟ قيل له : الإنابة إذا كان يراد بها الرجوع ، وذلك يحتمل أن يراد به الرجوع إلى الإسلام ، وأن يراد به الرجوع عن المعصية ، فإن كل واحد منهما رجوع إلى الله تعالى ، لم يكن لتخصيص أحد الوجهين دون الثاني وجه.
وأحد ما يتعلقون به قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرعد : ٦] قالوا : بيّن أنه يغفر للظلمة في حال ظلمهم ، وفي ذلك ما نريده.
وجوابنا عن ذلك ، أن الأخذ بظاهر الآية مما لا يجوز بالاتفاق ، لأنه يقتضي الإغراء على الظلم ، وذلك مما لا يجوز على الله تعالى فلا بد من أن يؤوّل ، وتأويله هو أنه يغفر للظالم على ظلمه إذا تاب.
فإن قيل : إن هذا الذي ذكرتموه ينبني على أن لفظة «الناس» المذكورة في الآية تقتضي العموم ، ونحن لا نسلم ذلك.
قيل له : قد بينا أن اللام إذا دخل على اسم جنس ولم يكن هناك معهود ينصرف إليه ، فلا بد من أن يفيد استغراق الجنس فيقتضي الإغراء على ما ذكرناه ، فليس إلا أن يقال في تأويله ما بيناه.
ومتى قالوا : ليس يجوز أن يسمى التائب ظلما ، والآية تقتضي جواز ذلك ففسد تأويلكم.
قلنا : ليس يمتنع أن يسمى التائب ظالما ، فإن من رمى مسلما وتاب قبل الإصابة يسمى ظالما على توبته ، فكيف يصح ما ذكرتموه؟ يزيد ذلك وضوحا ، أن الظالم اسم مشتق غير منقول من اللغة إلى الشرع ، فيجوز أن يسمى به التائب وغير التائب ، وعلى هذا قال آدم عليهالسلام : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) الآية ، فسمى نفسه ظالما وإن كان قد تاب. وقال موسى عليهالسلام : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) [القصص : ١٦] فغفر له على توبته.
غير أنا لا نطلق هذا اللفظ على التائب لأنه يوهم الخطأ ، ويقتضي استحقاقه للذم