وطريقة الاستدلال بالكل والاعتراض عليها ، ما نبهنا عليه ، فلا نطول به الكلام.
فإن قيل : ألستم أخرجتم التائب وصاحب الصغيرة عن هذه ، وقلتم : إن الشرط ألا يكون مع العاصي توبة أو طاعة أعظم من معصية ، حتى يدخل تحت هذه العمومات ، فهلا جاز لنا أن نقول : إن الشرط في ذلك أيضا أن لا يسقط الله تعالى عنه العقوبة ولا يغفر ذنبه ، فأما إذا أسقط عنه العقوبة وغفر له ذنبه فإنه لا يدخل تحت هذه العمومات ، ومتى أجبتم إلى ذلك ، ومعلوم أن القديم تعالى يحسن منه التفضل بالعفو والإسقاط ، لم يمكنكم القطع على أن العصاة وأصحاب الكبائر يدخلون تحت هذه العمومات ، وأنهم يعاقبون لا محالة.
قيل له : إن ما اعتبرناه من الشروط شروطا ، اقتضته الدلالة وقامت عليها الحجة ، وليس كذلك الحال فيما ذكرتموه ، فإن ذلك لا ينبئ عنه الظاهر ولا تقتضيه دلالة ، فلا يجوز إثباته بوجه.
وبعد ، فإن فيما ذكرتموه إخلاء كلام الله تعالى عن الفائدة ، وحملا له على ما يقتضيه مجرد العقل ، ومهما أمكن حمله على فائدة مستجدة معلومة بالشرع فذلك هو الواجب.
وبعد ، فإن القديم تعالى إذا توعد العصاة فإنما يتوعدهم بالعقاب الحسن ، ولا يجسن معاقبة التائب وصاحب الصغيرة ، فلهذا أخرجا من عمومات الوعيد ، وليس كذلك الحال في صاحب الكبيرة ، فإنه عقابه يحسن ، وجواز أن يتفضل بالإسقاط لا يخرج العقاب من أن يكون حسنا ، بخلاف التوبة ، وبخلاف ما إذا كانت طاعاته أعظم من معاصيه ، ففارق أحدهما الآخر.
وأيضا فإن ما ذكرته يقتضي أن يكون الشيء مشروطا بنفسه ، لأنك إذا جعلت الشرط في أن يفعل الله العقوبة بالفاسق أن لا يعفو عنه ولا يغفر لذنبه ، ومعلوم أن المرجع بأن لا يعفو عنه إلى فعل العقوبة ، فقد شرطت الشيء بنفسه ، والشيء لا يجوز أن يجعل شرطا في نفسه.
وبعد ، فإن هذا إن أوجب التوقف في وعيد الفساق ، فليوجبن التوقف في وعيد الكفار ، لأن حسن التفضل بالعفو والإسقاط ثابت في حق الكافر ثباته في حق الفاسق ، فيلزمهم أن يتوقفوا في وعيد الكفار ، ومن توقف في ذلك فقد انسلخ عن الدين.
فإن قيل : إنما قطعنا على وعيد الكفار ولم نتوقف فيه لأن ذلك معلوم من دين