والنقصان على هذا الحد الذي جوزوه ، لكان لا يكون معجزا دالا على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولكان لا يقع لنا الثقة بشيء يتضمنه من الشرائع والأحكام ، لتجويز أن يكون قد تعبدنا بصلاة سادسة ، وبصوم شهر آخر ، وبحج بيت بخراسان ، وكان ما يدل عليها هو الذي لم ينقل إلينا من القرآن. بل كان يجب أن لا نثق بشيء من الأحكام ، لتجويز أن تكون هذه الأحكام كلها منسوخة ، وقد نقل إلينا المنسوخ. وهكذا الكلام إذا جوزنا الزيادة فيه ، فكنا نجوز أن لا يكون غسل الأيدي من واجبات الوضوء ، لتجويز أن يكون قوله : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] مزيدة ، وفي ذلك من الفساد ما لا خفاء به.
وبعد ، فلم يخل زمان من الأزمان من لدن الرسول إلى يومنا هذا من جماعة يحفظون القرآن ويدرسونه ويعلمونه الناس ، فكيف يصح مع ذلك الزيادة فيه والنقصان بحيث لا يشعر به الحفظة ومعلوم أنه لو زيد في هذه الكتب التي يتداولها الناس فصل ، أو نقص منها فصل ، لعرفه من كان من أهلها لا محالة وأنكره في الحال.
ومتى قالوا : كيف يصح ما ذكرتموه ، ومعلوم أن عثمان هو الذي تلقف القرآن من الصحابة آية آية ثم تولى جمعه ، وأنه كان متفرقا في الصحابة لا يدري عدد سوره ولا آياته.
قلنا : لم يكن الأمر على ما ذكرتموه فقد كان في الصحابة جماعة يحفظون القرآن ، نحو أمير المؤمنين عليهالسلام ، وأبيّ بن كعب ، ولهذا يروى أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ على أبيّ القرآن ، وكذلك فقد روى أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأبيّ : أي سورة تقرأ في الصلاة؟ فقال : فاتحة الكتاب ، فقال : هو السبع المثاني. ولو كان الأمر على ما ظنوه لكان لا تصح هذه الجملة. وأيضا ، فروي أن الصحابة كانوا يختمون القرآن في التراويح على عهد عمر ، فلو لا أنه كان فيهم من يحفظه وإلا كان لا يتهيأ لهم ختمه ، وكذلك فقد روي أنه لما نزلت سورة التوبة قال النبي : أثبتوها آخر سورة الأنفال ، فكيف يصح والحال هذه أن يدعي أن المتولي لجمع القرآن إنما هو عثمان ، وأنه قد تلقفه آية من هذا وآية من ذاك؟ وهل هذا إلا دعوى لا تقوم بصحته حجة.
ومن الخلاف في القرآن ، خلاف من يقول إنه مما لا يمكن معرفة المراد بظاهره البتة ، وإنما تعبدنا بتلاوته لما لنا في ذلك من النفع.