وخلافه لا يخلو ، إما أن يكون من جهة المعنى ، وذلك تقدم الكلام فيه ، إما أن يكون خلافا من جهة العبارة ، فيسلم حدوث القرآن ، ويقول : إن تسميته مخلوقا يوهم جواز الموت عليه كما في سائر المخلوقات ، وذلك محال.
والجواب ، أنه ليس يجب في المخلوقات أن تموت كلها ، فإن الجمادات مخلوقة ومع ذلك فإن الموت مستحيل عليها ، وقد ألزمهم شيخنا أبو علي جواز الموت على الموت لأنه مخلوق ، بدليل قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الملك : ٣] فالتزموا ذلك ، وتعلقوا فيه بخبر يروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يؤتى يوم القيامة بالموت على صورة كبش أملح فينادى بين أهل الجنة وأهل النار ، ويقال يا أهل الجنة ويا أهل النار أتعرفون الموت؟ فيقولون : لا ، فيقال : هذا هو الموت ، ثم يذبح ، وينادى يا أهل الجنة خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت» ومن بلغ معه الكلام إلى هذا الحد فإن الواجب أن يضرب عنه ، ويطوى الكشح دونه.
فإن قيل : ما أنكرتم إنما لا يجوز وصف القرآن بأنه مخلوق لأن الخلق هو الكذب ، ولهذا يقال : قصيدة مخلوقة ومختلقة إذا كانت مشتملة على أكاذيب وأباطيل ، كذلك فقد قال تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)) [الشعراء : ١٣٧] وقال : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧].
وجوابنا عن ذلك ، أن هذا لا يصح ، لأن الخلق إنما هو التقدير ، والمخلوق هو الفعل المقدر بالغرض والداعي المطابق له على وجه لا يزيد عليه ولا ينقص عنه ، لهذا نراهم يقولون : خلقت الأديم هل لحى منه مطهرة أم لا ، وقال الحجاج : إني إذا وعدت وفيت ، وإذا خلقت فريت ، أي إذا قدرت قطعت ، وكذلك فقد قال زهير :
ولأنت تفرى ما خلقت |
|
وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى |
وكذلك فقد قال غيره :
ولا يئط بأيدي الخالقين ولا |
|
أيدي الخوالق إلا جيد الأدم |
وهذه الجملة كلها دلالة على أن الخلق إنما هو التقدير على ما نقوله ، وإذ كان هذا هكذا صح وصف القرآن بأنه مخلوق على ما ذكرناه. فأما قولهم قصيدة مخلوقة أو مختلقة ، فليس الغرض به أنها كذلك في نفسها ، بل المراد به أنها منسوبة إلى غير قائلها ، وهذا كما يقال : قصيدة منحولة ومصنوعة ، أي منسوبة إلى غير قائلها ، كذلك هاهنا. ولهذا فلو قدرنا أن تكون القصيدة مشتملة على الأوامر والنواهي ، لكان يصح