لأن غيره جل وعز لا يقدر عليه.
والآخر ، يقدر عليه غير الله تعالى ، كما يقدر هو جل وعز عليه.
وذلك ينقسم إلى : ما يصل إلينا من جهة الله تعالى على الحقيقة ، وإلى ما يكون في الحكم كأنه من جهة تعالى.
الأول ، نحو المنافع التي تصل إلينا بطريقة الإرث ، فإنها إنما تصل إلينا من جهة الله تعالى ، فلو شرعت الشريعة على هذا الوجه وإلا كنا نقول : إن المال وقد خلفه صاحبه ، لمن سبق إليه وحازه أولا ، ولا يكون به الأقرباء أولى من الأجانب ، ولا بعضهم أولى من بعض.
والثاني ، هو كالهبات والصدقات والهدايا وغيرها ، فإنها في الحكم كأنها من قبل الله تعالى وإن كان المتولي لها غيره تعالى ، فلو لا خلقه الواهب والموهوب والموهوب له ، وجعل أحدهما بحيث يرغب في الهبة والآخر يقبل منه ذلك ويمكنهما من النفع والانتفاع ، وإلا كان لا يصح من أحد هبته ، ولا يتمكن أحد من قبولها والانتفاع بها ، وإذا كان الواحد منا يكون منعما على الغير بالهبة وإن كان لا يتعلق به إلا من وجه واحد ، فالقديم تعالى بأن يكون منعما بها وقد تعلقت به من كل وجه أولى وأحرى.
فإن قيل : لو كان الأمر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون القديم تعالى منعما علينا بالتكليف ، فعليه نستحق الثواب وبه نتوصل إليه. قلنا : هكذا نقول ، لأنه لا فرق في النعمة بين أن تكون منفعة يمكن الالتذاذ بها ، وبين أن تكون مؤدية إلى المنفعة ، هذا على ما مر في صدر الكتاب.
فإن قيل : يلزم على هذا أن يكون القديم تعالى منعما علينا بالإيمان ، وأن يستحق من جهتنا الشكر عليه ، قلنا : كذلك نقول ، إلا أنا لا نطلق القول به لأنه يوهم الخطأ. يبين ذلك ، أنه هو الذي خلقنا وأحيانا وأقدرنا وأكمل عقولنا وخلق فينا شهوة القبيح أو نفرة الحسن ، وكلفنا وجعلنا بحيث أمكننا اختيار الإيمان بدلا من الكفر ، والكفر بدلا من الإيمان ، وعرضنا بذلك إلى درجة الثواب ، فكأنه هو الذي خلق فينا الإيمان وأنعم به علينا ، إلا أنا لا نطلق القول بذلك لما ذكرناه من كونه موهما للخطأ ، حتى لو لم يوهم ذلك ، وعرف من حالنا أنا لا نعني به أنه هو الذي خلق الإيمان فينا ، وأنه لا يستحق الشكر عليه نفسه ، وإنما يستحق الشكر على مقدماته ، ولجوزنا إطلاق القول في ذلك ، فهذه طريقة القول في هذا الفصل.