فإن قيل : لو كان كذلك ، لكان يجب إذا أراد أحدنا استدعاء جماعة من الكفار إلى الإسلام ، وعلم من حالهم أنهم لا يجيبون إلا إذا شاطرهم على ماله أن يجب عليه ، وإلا كان عائدا بالنقض على غرضه على ما ذكرتموه في مسألتنا.
قيل له : إن أحدنا إذا استدعى غيره إلى الإسلام ، فإنما يفعل ذلك لاقتناء الذكر الحسن والرئاسة ، وربما لا تسمح نفسه ببذل نصف ماله في ذلك ، حتى لو قدرنا أن يكون هذا الذي يدعوه إلى الإسلام له أعوان وأتباع يعظم أمر داعيه إلى الإسلام ويفخم شأنه ، لكان يجب عليه أن يشاطره على ماله ، وإلا عاد على غرضه بالنقد على ما تقدم.
يبين ما ذكرناه ويوضحه ، أنه إذا لم يقصد بدعوة الغير إلى الإسلام هذا الذي ذكرناه ، فلا وجه يذكر إلا نفع الغير ، وليس يلزمه تحمل المشقة لنفع الغير لأنه ليس بمكلف ، وإنما الله تعالى هو المكلف الذي لا غرض له في تكليفه إلا نفعه ، ففارق أحدهما الآخر.
ومن خالف في هذه المسألة فقد بنى مذهبه على أصل فاسد ، وهو أنه ما من مكلف إلا وفي مقدور الله تعالى من اللطف ما لو فعله به لاختار عنده الواجب واجتنب القبيح ، فلما وجدنا في المكلفين من أطاع وفيهم من عصى ، تبينا أن الألطاف غير واجبة على الله تعالى. ونحن قد أفسدنا هذا المذهب في أول المسألة ، وبينا أنه لا يمنع أن يعلم الله تعالى من حال بعضهم أنه إن فعل به ما فعل فإنه لا يصير لطفا له.
ولذلك نظير في الشاهد ، فإنه لا يمنع أن يكون لأحدنا ولدان ، علم من حال أحدهما أنه لو سلك معه طريقة الرفق فإنه يختلف إلى المكتب ويقبل على التعليم ويشتغل بما يريده منه ، ويعلم من حال الآخر أنه إن فعل به ما فعل من الرفق والعنف فإنه لا يختار ذلك ، كذلك في مسألتنا ، ولا يمتنع أن يكون حال المكلفين مع الله تعالى هذا الحال.
ومن أسف ما يتعلقون به في الأصل ويذكرونه في نصرة هذا المذهب ، قولهم : إنه تعالى قادر لذاته ، ومن حق القادر لذاته أن يكون قادرا على سائر أجناس المقدورات ، ومن المقدورات الألطاف ، فيجب أن يكون قادرا عليها.
وجوابنا ، أن اللطف ليس من أجناس المقدورات حتى إذا كان الله تعالى قادرا لذاته وجب قدرته عليه ، ففسد ما ظنوه.
يبين ما ذكرناه. أن اللطف هو ما يختار المرء عنده الواجب ويجتنب القبيح ،