شيء من الأشياء ، لأنك تستحلي كثيرا من الأشياء وهو قبيح في نفسه ، وتستقبح أيضا كثيرا منها وهو حسن ، على ما مر في أول الكتاب.
يبين ذلك أن هذه الصور وإن كانت قبيحة من جهة المرأى والمنظر ، فإن فيه أغراضا حكمية لا يعلمها إلا من أنصف نفسه ، وأدى الفكر حقه.
فإن قيل : وما تلك الأغراض؟ قلنا : نفع هذه الحيوانات أولا ، ثم نفع العباد ، فإن خلق هذه الحيوانات كما تضمن التفضل عليها بالإحياء والإقدار ، وخلق الشهوة والمشتهي ، والتمكين من الانتفاع به ، فقد تعلق بها منافع الغير الدينية والدنيوية.
فأما المنافع الدنيوية فإنك تعلم أن هذه المعاجين الكبار إنما تتخذ من الحيات والعقارب ، ألا ترى أن الترياق مع أنه أصل في دفع هذه المسمومات ، إنما يتخذ من بعض الحيات والعقارب ، وهكذا الحال في واحد واحد من هذه الحيوانات ، فما من شيء منها إلا وتتعلق به منفعة على حد لا تتعلق تلك المنفعة بغيرها. هذا هو الكلام في المنافع الدنيوية.
وأما المنافع الدينية ، فهو أنا إذا شاهدنا هذه الصور المنكرة ، والحيوانات المؤذية الكريهة المنظر ، كنا إلى الاحتراز من عذاب الله تعالى المشتمل على أضر من هذه الحيوانات كلها أقرب ، وعن الوقوع فيما يوجبه علينا ويجره إلينا أبعد ، بل كان لا يتصور من الله تعالى تخويفنا بما لديه من العقوبات المعدة لمستحقيها إلا بهذه الطرق ، فإنا ما لم نشاهد هذا الجنس فيما بيننا ، لا ننزجر عما توعدنا عليه كل الانزجار.
فإن قيل : ليس هذه الحيوانات إلا الضر المحض ، فإنها مضرة مؤذية ، فيجب أن يقبح منه تعالى خلقها.
فجوابنا على ذلك ، أن ضرر هذه الحيوانات ليس بأكثر من ضرر الناس ، فلو كان قبح من الله تعالى خلقها لهذا الوجه ، كان يجب أن يقبح منه خلق أكثر الناس ، يوضح ذلك ، أن ضرر أكثر هذه الحيوانات لا يفي بضرر الحجّاج وشبهه من الظلمة أبادهم الله تعالى ، ثم لم يحكم بقبح خلق الناس. فقد بطل ما قلتموه.
فصل
وقد أورد رحمهالله سؤالا على نفسه يوشك أن يكون شبهة للمجبرة.