تعالى على ما نقوله ، وقوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨)) [المدثر : ٣٨] والطفل لم يكتسب إثما حتى يعذب.
ومن السنة ، ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ» فبيّن أن القلم مرفوع عنه ، ولن يكون كذلك إلا ولا يحسن تعذيبه ، فصح أن تعذيب أطفال المشركين ظلم ، وأنه تعالى لا يختاره.
فإن قيل : إن ذلك وإن كان صورته صورة الظلم ، فإنه لا يقبح من الله تعالى ، قلنا : الظلم إذا قبح فإنما يقبح لوقوعه على وجه متى وقع على ذلك الوجه قبح من أي فاعل كان ، سواء وقع من الله تعالى أو من غيره.
فإن قيل : ما أنكرتم أن ذلك لا يقبح منه لأنه مالك الرقاب وللمالك أن يفعل في ملكه ما شاء ، بخلاف الواحد منا.
قيل له : إنا كما نعلم قبح الظلم على الجملة اضطرارا ونعلم أنه إنما قبح لكونه ظلما ، نعلم أنه لا يختلف باختلاف الفاعلين له سواء كان مالكا أو لم يكن مالكا.
وبعد ، فإنا لا نسلم أن للمالك أن يتصرف في ملكه كيف شاء ، فإن أحدنا لو أنفق عمره في بناء دار ، وزخرفها وزينها وبذل الجهد في تزويقها وتحسينها ثم أخذ في هدمها ، فإنه يمنع من ذلك ويزجر ولا يمكن منه وكذلك لو حمل نفسه على المشاق العظيمة حتى حصل لنفسه رزمة من البرسيم ثم أراد أن يحرقها ، فإنه يمنع من إحراقها وإشعال النار فيها ولا يمكن من ذلك ، بل يصفع دونه.
فإن قيل : إن أحدنا إنما يمنع من هذه الأمور ولا يحسن منه ذلك لأنه ليس بمالك حقيقة ، قلنا : المالك ليس بأكثر من أن يجوز له التصرف فيه لا على طريق النيابة ، وهذه حال الواحد منا ، فكيف يمنع من كونه مالكا؟
فإن قيل : إن هذه الأمور إنما تقبح من الواحد منا لأجل النهي وهو غير ثابت في الله تعالى. قيل له : إنا قد ذكرنا أن النهي لا تأثير له في قبح شيء من الأشياء ، لو لا ذلك وإلا كان يجب فيمن لا يعرف النهي ولا الناهي أن لا يعرف قبح هذه المقبحات من الظلم وغيره ، ومعلوم أن هؤلاء الملحدة يعرفون قبح الظلم مع إنكارهم للأوامر والآمر والناهي ، ومتى قالوا : إنهم لا يعرفون قبح الظلم على الحقيقة وإنما يعتقدونه ، قلنا : هذا محال ، ولو أمكن أن يقال ذلك هاهنا ، لأمكن أن يقال مثله في التفرقة بين السواد والبياض ، فيقال : إنهم لا يعرفون ذلك وإنما يعتقدونه ، وقد عرف خلافه ، ووجه