أجبت.
وبعد ، فإن دعوى الإجماع في ذلك غير ممكن ، لأن عامة الزيدية على خلافه ، حتى أنهم نصوا في كتبهم على أن رجلا لو قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله ، فإنه ينظر ، فإن كان ممسكا لها بالمعروف لم يقع الطلاق ، لأن الإمساك على هذا الوجه مباح ، والله تعالى لا يريد المباح ، وإن لم يكن ممسكا بالمعروف وقع الطلاق ، وهكذا قالوا في العتق ، فقد نصوا على أن السيد إذا قال لعبده أنت حر إن شاء الله ، ينظر فإن كان العبد خيرا عفيفا صالحا بحيث يتقرب إلى الله تعالى بإعتاقه وتخليته لعبادة ربه عتق ، وإن لم يكن كذلك لم يعتق ففسد قولهم من سائر الوجوه.
وأحد ما يوردونه في هذا الباب ، قولهم : قد ثبت الله تعالى أمرنا بمجاهدة الكفار ، ولن يكون ذلك كذلك إلا وهو مريد لما لا تتم المجاهدة إلا به ، وهو الكفر.
والأصل في الجواب عن ذلك ، قلتم : إنه تعالى إذا أمرنا بمجاهدة الكفار لا بد أن يكون مريدا للكفر الذي لا تتم المجاهدة إلا به ، أليس أن الرسول عليهالسلام إذا أمر الزناة بالاغتسال من الجنابة والتوبة من الزنا لا يجب أن يكون مريدا منهم الزنا ولا يجب أن يكون مريدا لما لا يتم الاغتسال والتوبة إلا به وهو الزنا ، كذلك في مسألتنا ، وأيضا فإن الحال فيه كالحال فيما لو أراد إقامة الحد على الزاني والسارق وشارب الخمر ، فلا يجب أن يكون مريدا للزنا والشرفة وشرب الخمر الذي لا تجب إقامة هذه الحدود إلا عندها ، كذلك في مسألتنا ، فصح لك فساد ما يعتمدونه في هذا الباب.
ومما يتعلقون به في هذا الباب ، قولهم : لو لم يكن القديم تعالى مريدا للمعاصي وكان كارها لها ، لكان يصح أن يقال : إن هذه المعاصي وقعت شاءها القديم أم أباها رضيها أم سخطها ، ومن ارتكب هذا فليس يلتبس كفره على أحد.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن الإباء يذكر ويراد به كراهة الشيء مع المنع منه ، كما يقال فلان أبي الظلم ، أي يمنعه ، فقد يذكر ويراد الكراهة فقط ، إذا ثبت هذا ، فقولهم : إن هذه المعاصي وقعت شاءها الله أم أباها لا يخلو ، إن أردتم به أن هذه المعاصي وقعت مع كراهة القديم تعالى فهذا ليس بمستبعد وليس بكفر ، وإن أردتم به أنها وقعت وهو غير قادر على المنع من ذلك فإن ذلك ليس يجب ، فإنه تعالى قادر على أن يمنع منها ، وإنما لم يفعل ذلك لكي لا يرتفع التكليف ولكي لا يبطل استحقاق الثواب والعقاب ، ففسد كلامهم ، وبطلت شبهاتهم.