رغب فيه ووعد عليه بالثواب العظيم ، ونهى عن خلافه وزجر عنه وتوعد عليه بالعقاب العظبم ، فيجب أن يكون تعالى مريدا له على ما نقوله.
وبعد ، فإذا كان العبد مطيعا لله تعالى بفعل الواجبات والنوافل وجب أن يكون الله تعالى مريدا لها ، لأن المطيع هو من فعل ما أراده المطاع ، بدليل قوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) [غافر : ١٨] أي لا يفعل ما أراده ، ويدلك على ذلك أيضا قول سويد بن أبي كاهل :
رب من أنضحت غيظا صدره |
|
قد تمنى لي موتا لم يطع |
أي لم يفعل له ما أراده.
وكذلك قد روي ، أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ضرب بعقبه الأرض بين يدي عمه العباس فنبع الماء ، فقال له عمه العباس : يا ابن أخ إن ربك ليطيعك ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : وأنت يا عم ، لو أطعت الله لأطاعك.
فإن قيل : هلا كان المطيع هو من فعل ما أمر به الغير؟ قلنا : إن الأمر إذا تجرد عن الإرادة لم يتميز عن النهي أو ما في معناه من التهديد ، فكان يجب أن يكون العصاة كلهم مطيعين لله تعالى بأن يفعلوا ما شاءوا لقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠]. وكان يجب أن يكون إبليس مطيعا لله تعالى بأن يستفزّ من استطاع ، وبأن يجلب على المكلفين بخيله ورجله لقوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ) [الإسراء : ٦٤] الآية ، ومعلوم خلافه.
وبعد ، فإن العبد إذا فعل ما أراد السيد يكون مطيعا له وإن لم يصدر من جهته أمر ، بأن بكون السيد ساكتا بل أخرس ، والذي يوضح هذه الجملة ما قدمناه من قوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) [غافر : ١٨] استعمل الطاعة حيث لا يتصور الأمر ، وكذلك فقول سويد يدل على ما ذكرناه.
وأما المناجاة ، فإنه تعالى لا يريدها ولا يكرهها لا في الدنيا ولا في الآخرة عند شيخنا أبي علي لأنه لا فائدة في ذلك ، وحمل قوله تعالى لأهل الجنة (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) [الطور : ١٩] على الإباحة ولم يجعله أمرا.
وأما عند أبي هاشم فإنه تعالى يريدها في دار الآخرة ، قال : لأنه يتضمن هناك فائدة ما يتضمن في دار الدنيا ، وهو أن أهل الآخرة إذا عرفوا أن الله تعالى يريد تلك المباحات منهم كان ذلك أهنى لهم وأطيب لهم ، فصار سبيلهم سبيل الضيف إذا علم