فإن قالوا : إنه تعالى يريد فيما لم يزل أن لا يخلق العالم ، قلنا : أن لا يخلق نفي ، والإرادة لا تتعلق بالنفي على ما سيجيء في موضعه إن شاء الله تعالى. وبعد لو صح تعلق الإرادة بالنفي لصح تعلقها بالإثبات ، فكان يصح أن يريد خلق العالم فيما لم يزل ، وإذا صح ، وجب قدم العالم.
ثم يقال لهم : لا جاز فيما أثر في الصحة أن يكون هو الذي أثر في الوقوع وهو كونه قادرا ، فلا يحتاج إلى أمر زائد. وكيف يجوز خلافه وذلك يقدح في كون الواحد منا متحيزا في أفعاله ، ويوجب بطلان المدح والذم ، وذلك محال.
وأحد ما يتعلقون به في هذا الباب ، هو أنهم قالوا : إنا نجد تفرقة بين الحركة الاختيارية والحركة الاضطرارية ، ولا يمكن أن نرجع بهذه التفرقة إلا إلى أن أحدهما قد فارقته القدرة ، بخلاف الأخرى.
وجوابنا : أن هذه الطريقة لا تستقيم على أصولكم على ما سبق القول فيه. ثم يقال لهم : ما أنكرتم أن هذه التفرقة راجعة إلى أن أحدهما قد تقدمتها القدرة بخلاف الأخرى. ولا يجوز غير هذا ، لأن في خلافه إخراج الواحد منا عن التحيز في الأفعال ، وإبطال استحقاق المدح والذم على ما بيناه من قبل.
وبهذا نجيب إذا قالوا : إنا نجد تفرقة بين الفعل الذي يستحق عليه المدح والذم ، وبين الفعل الذي لا يستحق عليه ذلك ولا يمكن أن نرجع بهذه التفرقة إلا إلى أن أحدهما قد فارقته القدرة ، والآخر لم تفارقه القدرة ؛ فإنا نقول لهم : إن هذه التفرقة مع أنها لا تثبت على قولكم إن سائر الأفعال متعلقة بالقديم تعالى على سائر وجوهها وحقائقها ، يمكن أن نرجع بها إلى أن أحدهما متعلق بالواحد منا لتقدم قدرته عليه دون الآخر ، ففسد ما ذكرتموه.
ومما يتعلقون به ، قولهم : إن عند عدم القدرة يستحيل وقوع الفعل فيجب عند وجودها أن يكون واجبا ، لأن الاستحالة والوجوب في طرفي نقيض.
والأصل في الجواب ، أن نقيض الاستحالة إنما هو الصحة لا الوجوب. ألا ترى أن عند عدم المحل يستحيل حلول السواد فيه ، ثم إن عند وجود المحل لا يجب ، وكذلك فإن عند عدم الذات يستحيل فيها التعلق ، وعند وجوده لا يجب ، فإن في الذات ما لا يتعلق. وكذلك فلو قدرنا أن يكون القديم تعالى غير قادر يستحيل عليه الفعل ، ثم إذا كان قادرا لا يجب منه الفعل ، وكذلك في مسألتنا.