وأيضا ، فلو جاز أن يقال في الكافر : إنه قد أتى في فقد الإيمان من جهته مع أنه غير قادر عليه فلا يتعلق به ، لجاز أن يقال في الرومي : إنه قد أتي في فقد السواد من جهته ، ولجاز أن يقال في الزنجي : إنه قد أتي في فقد البياض من جهته ، والمعلوم خلافه ، وأيضا ، فلو جاز أن يقال في الكافر مع أنه لا يقدر على الإيمان إنه قد أتى في فقد الإيمان من جهته ، لجاز مثله في العاجز.
ثم إنه رحم الله ، حرر ما ذكرناه على وجه آخر فقال : إن الفعل إذا احتاج في وقوعه إلى أمر من الأمور فإن التكليف به مع عدم ذلك الأمر قبيح ، ومثل ذلك بالزكاة ، قال : فكما أن التكليف بها مع فقد المال يقبح ، كذلك يجب في التكليف بالإيمان مع فقد القدرة عليه أن يكون قبيحا.
إلا أن هذا المثال شرعي ، والشرعيات إنما تثبت بعد ثبات هذه المسألة ، فالأولى أن نورد في مثاله قضاء الدين فنقول : إنه كما يحتاج إلى المال يحتاج إلى القدرة ، فكما أن التكليف به مع فقد المال يقبح ، كذلك مع فقد القدرة.
وإن شئت فرضت الكلام في الفعل المحكم ، فتقول : إن الفعل المحكم كما يحتاج في وقوعه إلى العلم يحتاج إلى القدرة ، فكما أن التكليف به مع فقد العلم يقبح ، فكذلك مع فقد القدرة.
وإن شئت ذكرت النظر والاستدلال فقلت : كما أن ذلك محتاج إلى كمال العقل فإنه محتاج إلى القدرة ، فكما أنه يقبح التكليف مع زوال العقل ، وكذلك مع عدم القدرة. وإن شئت ذكرت الآلة فتقول : إن الفعل كما يحتاج إلى الآلة فكذلك يحتاج إلى القدرة ، فكما أن التكليف به مع فقد الآلة يقبح ، فكذلك مع فقد القدرة.
ثم إن قاضي القضاة أورد على نفسه سؤالين ، فقال :
إذا جاز أن يكلف الله تعالى الضعيف بل العاجز بل المعدوم عندكم مع أنهم غير قادرني عليه ، فلأن يجوز أن يكلف الكافر مع عدم القدرة أولى.
والثاني : هو أن الفعل كما يحتاج إلى القدرة فإنه يحتاج إلى الآلة ، ثم إن الآلات بعضها متقدمة وبعضها مقارنة ، فلم لا يجوز أن يكون في القدرة أيضا ما يتقدم وفيها ما يقارن ، حتى تكون قدرتنا مقارنة لمقدورها ، وقدرة القديم تعالى متقدمة لها.
ونحن نجيب عن هذا السؤال الثاني أولا ، لأنه أليق بما نحن فيه ، ثم نعطف عليه