الكافر قدرة مشيئة الإيمان ، ولا يخلق فيه قدرة الإيمان. فلا يمكن أن يقال لو شاء لآمن.
ثم إنه رحمهالله ، أجمل هذه الجملة التي فصلناها وقال : إن الإيمان لا يفعل بالجواز ، لا بالصحة ، ولا بالتوهم ، ولا بالإطلاق ، ولا بالتخلية ، ولا بالمشيئة ، ولا بكونه غير ممنوع ، وإنما يفعل بالقدرة ، والكافر لم يعط القدرة ، فيكون تكليفه والحال هذه تكليفا لما لا يطاق ، وينزل منزلة تكليف العاجز ، وقد تقرر في عقل كل عاقل قبح تكليف من هذا حاله ، ففسد ما قالوه.
فرق آخر ، قالوا : إن الكافر تارك للإيمان مشغول بضده ، فكأنه قد أتي في فقد الإيمان من جهته ، وليس كذلك العاجز.
والأصل في الجواب عن ذلك أن التارك إنما يستعمل في من لم يفعل ما يقدر عليه في الحال التي يقدر عليه ، ولهذا لا يقال في الزمن : إنه تارك للعدو ، ولا للمقصوص الجناح : إنه تارك للطيران ، لما لم يقدرا عليه ، وأيضا فلا يقال : إن أحدنا تارك لخلق الأجسام والألوان لما لم يقدر عليها.
إذا ثبت هذا ، وعندهم أن الكافر غير قادر على الإيمان أصلا ولا يمكنه الانفكاك من الكفر ، فكيف يوصف بأنه تارك له؟.
وأما الشغل ، فإنما يستعمل حقيقة في الظروف والأواني ، يقال : هذا الجواب مشغول بالحنطة عن الشعير والآنية مشغولة باللبن عن العسل.
ثم يستعمل في القادر على الشيء إذا شغل بأحد الفعلين عن الآخر تشبيها بذلك ، فيقال : إنه مشغول بالكتابة عن الصياغة ، وبالصلاة عن الأكل ، لما لم يمكنه الجمع بينهما.
وإذا كان لا تجرى هذه العبارة إلا على القادر ، وعندكم أن الكافر غير قادر على الإيمان ، فكيف يصح وصفه بذلك؟.
وأما قولهم : إن الكافر أتي في فقد الإيمان من جهة نفسه بخلاف العاجز فلا يصح ، لأنه إذا لم يقدر الكافر على الإيمان ، فسواء أتي في ذلك من قبل نفسه أو من قبل غيره فإنه لا يحسن تكليفه به ، ألا ترى أن من عدم الرجل لم يحسن تكليفه بالقيام ، سواء أتى في فقد الرجل من جهته أو من جهة غيره.