رجعت الكتاب إلى المصائب لكان لا بد من أن يكون المراد به ما يصيبنا من الآلام والانتقام من جهة الله تعالى ، فقد تمدح بالآية ولا تمدح بالقبائح في موضع من المواضع.
ومما يتعلقون به ، قوله تعالى : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) [الروم : ٢٢] ، ولا تعلق لهم أيضا به ، فإن المراد بذلك الآلات ومجاري الكلام ومجاري هذه الحروف ، لا الحروف والأصوات. يزيده وضوحا أنه تعالى تمدح بذلك ، وليس في كون هذه الحروف فعلا له ما يدل على المدح إن لم يدل على الجهل والحاجة.
ومما يتعلقون به ، قوله جلّ وعزّ : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)) [الملك : ١٣ ، ١٤]. والجواب أن المراد به أنه الخالق للصدور ، بدليل أن الآية وردت مورد التوبيخ والذم ولا ذم على سر أو جهر لم يتعلق بنا.
يبين ذلك أن هذا الكلام إذا لم يحمل على ما قلناه يجري مجرى أن يقول : وأسروا قولكم أو اجهروا به فإني عليم بما أنا فاعله ، وهذا لا يستقيم.
ومما يتعلقون به ، قوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) [البقرة : ١٢٨] قالوا : وفي ذلك ما يدل على أن الإسلام من قبله تعالى ، وكل من قال بأن الإسلام من قبل الله تعالى قال بذلك في جميع الأفعال. وجوابنا أنا لا نسلم أن الإسلام من قبل الله تعالى ، وكيف يكون من قبله وقد مدح عليه وذم على خلافه ، ورغب في الثواب بفعله والعقاب بتركه؟ وأيضا فإنه موقوف على أحوالنا ، ألا ترى أنه يقع بحسب قصدنا ودواعينا وينتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا فكيف يكون من جهته؟ فإذا لا بد من أن يؤول ذلك ويقال : إن المراد به ، اللهم الطف لنا ووفق حتى نستسلم لك ونؤمن بك.
ومما يتعلقون به ، قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) [الحديد : ٢٧] بين تعالى أن الرأفة من قبله. وجوابنا أنه نهى في بعض المواضع عن الرأفة فقال : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) [النور : ٢] ولو كان من قبله لم يجز النهي عنه فيجب أن يؤول الجعل هاهنا فيقال : إن المراد الحكم هاهنا والألطاف فلا يبقى لهم متمسك.
ومما يتعلقون به قوله ، عزوجل : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣)) [النجم : ٤٣] ، قالوا : بين أن الضحك والبكاء من جهته جلّ وعزّ ، ومن قال بذلك لم يفصل بينه وبين