يكون عالما بتفاصيل ما أحدثه ، كالقديم تعالى ، فإنه لما كان محدثا لأفعاله قادرا عليها كان عالما بتفاصيلها.
قلنا : فرق بين الوضعين ، لأنه تعالى عالم لذاته ، ومن حق العالم لذاته أن يكون عالما بجميع المعلومات على الوجوه التي يصح أن تعلم عليها ، وليس كذلك الواحد منا فإنه عالم بعلم ، ففارق أحدهما الآخر.
ثم يقال لهم : أليس أن أحدنا يقدر على الاكتساب ولا يجب أن يكون عالما بتفاصيل ما اكتسبه ، فهلا جاز مثله في الحدوث ، فيكون قادرا على الإحداث ، وإن لم يعلم بتفاصيل ما أحدثه.
وبعد ، فلو خلق الله تعالى فينا العلم بتفاصيل ما أحدثه لوجب كون أحدنا محدثا له وخلق هذا العالم لا يستحيل ، فوجب أن لا يستحيل كونه محدثا.
ومما يتعلقون به ، قولهم : لو كان الواحد منا محدثا لتصرفاته لوجب صحة أن يحصل في الثاني مثل ما أحدثه في الأول ، ومعلوم خلافه : فإن من كتب حرفا مرة لا يمكنه أن يكتب مثل ذلك الحرف مرة أخرى.
والجواب ، قلنا : ولم وجب ذلك؟ فإن قالوا : الذي يدل عليه القديم تعالى ، فإنه لما كان محدثا صح منه أن يحدث في الثاني مثل ما أحدثه في الأول ، قلنا : ولم جمعتهم بيننا وبين القديم؟ فلا يجدون إليه سبيلا.
ثم نقول لهم : إن في أفعالنا ما تتأتى فيه هذه الطريقة ، ألا ترى أن أحدنا إذا قال مرة باء ، يمكنه أن يقول مثله مرات. وأظهر من هذا الإرادة ، فإنه إذا أراد قدوم زيد مرة يمكنه أن يريد قدومه ثانيا وثالثا ، والإرادتان مثلان لتعلقهما بمتعلق واحد على أخص ما يمكنه ، ففسد ما ظنوه.
وبعد ، فإن أحدنا إذا كان حاذقا بالكتابة عالما بالخط ماهرا فيه ، فإنه يمكنه أن يكتب ثانيا مثل ما كتب أولا بحيث لا يقع الفصل بينهما عند الإدراك ، فيجب أن يكون محدثا لها.
ثم يقال لهم : إن دل هذا على شيء فإنما يدل على فقد العلم أو على عدم الآلة لا على فقد القدرة على الأحداث ، فكيف يصح ما قالوه؟ وقد قال مشايخنا البغداديون : إنه إنما لا يمكنه الخط في الثاني مثل ما كتبه أولا لعدم الآلة ، لأن القلم