كذلك ، لوجب إذا تفرد الله تعالى بالظلم أن لا يكون ظالما لأنه لم يجعل الظلم ظلما له ، وعندكم أنه تعالى لو تفرد بالظلم لكان ظالما.
وبعد ، فإن الظلم لو كان بجعل الجاعل ، لوجب أن يجعله ظلما لهذا دون ذاك ، أو ذاك دون هذا ، وصار الحال فيه كالحال في كون الكلام أمرا ونهيا وخبرا ، فإنه لما تعلق بالفاعل ، صح من الفاعل أن يوجده فيجعله أمرا ، وأن يوجده فيجعله نهيا ، وأن يوجده فيجعله أمرا ، لهذا دون ذلك ، وقد عرف خلافه.
وبعد فلو كان كذلك ، لوجب في من لا يعلم أن الظالم هو من جعل الظلم ظلما له : أن لا يعلمه ظالما ، ومعلوم أن العرب يعلمون الظالم ظالما وإن لم يعلموا أن الظلم جعل ظلما له.
وبعد ، فإنا نقول لهم : ما تريدون بقولكم إن الظالم هو من جعل الظلم ظلما له؟ أتريدون به أن الظلم خلق فيه؟ أو تريدون أنه جعل كسبا له؟ فإن أردتم به أنه جعل كسبا له ، فذلك مما لا يعقل على ما سيجيء من بعد إن شاء الله تعالى ، وإن أردتم به أنه خلق فيه ، فهو نفس مذهبكم الذي نروم إفساده بهذه الدلالة فلا يصح الاعتراض به عليها ، وهذا أصل كبير : إن كل دلالة نصبت لإفساد مذهب من المذاهب ، فالاعتراض على تلك الدلالة بنفي ذلك المذهب لا يصح ، فيجب أن يراعى هذا الأصل ويحافظ عليه.
وبعد ، فلو كان الظالم اسما لمن جعل الظلم ظلما له ، لوجب أن يكون الرازق اسما لمن جعل الرزق رزقا له ، والعادل اسما لمن جعل العدل عدلا له ، وكذلك الكلام في المحسن ، والمنعم ، والمتفضل ، وما يجري هذا المجرى لأنه لا فرق بين الموضعين. ولو ارتكب ، قلنا ، فكان يجب أن لا يوصف القديم تعالى بشيء من هذه الأسماء ، وقد عرف خلافه.
فإن قيل : ما أنكرتم أن الظالم اسم لمن تفرد بالظلم ، والله تعالى غير منفرد بالظلم ، فلا يجب أن يسمى ظالما. قلنا : لو كان كذلك لوجب أن لا يكون في عالم الله تعالى ظالم ، لأن العباد غير منفردين بالظلم.
وبعد ، فلو وجب هذا في الظالم ، لوجب أيضا في العادل ، والخالق ، والرازق ، ولو ارتكبوا ذلك ، قلنا : فيجب على هذا أن لا يوصف القديم تعالى بشيء من هذه الأوصاف ، والمعلوم خلاف ذلك.