ونظرت نظر شزر وعلى هذا قال الشاعر :
نظروا إليك بأعين مزورة |
|
نظر التيوس إلى شفار الجازر |
وقال آخر :
تخبرني العينان ما الصدر كاتم |
|
وما جن بالبغضاء والنظر الشزر |
وأيضا فإنهم يقولون في تفسير الأقبل ، وهو الأحول ، وهو الذي إذا نظر إليك كأنه ينظر إلى غيرك ، فلو كان النظر هو الرؤية ، لكان تقديره : هو الذي إذا رآك كأنه يرى غيرك ، وهذا لا يستقيم.
وبعد : فإنا نعلم ضرورة كون الجماعة ناظرين إلى الهلال ، ولا نعلم كونهم رائين له ضرورة ، ولهذا يصح أن نسأل عن ذلك ، فلو كان أحدهما بمعنى الآخر لم يجز ذلك.
ويدل على ذلك أيضا ، قوله تعالى : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [الأعراف : ١٩٨] أثبت النظر ونفى الرؤية ، فلو كان أحدهما بمعنى الآخر لتناقض الكلام ، وينزل منزله قول القائل يرونك ، وهذا خلف من الكلام.
فإن قيل : إن ذلك مجاز لأنه ورد في شأن الأصنام ، قلنا : إنه وإن كان كذلك ، إلا أن المجاز كالحقيقة في أنه لا يصح التناقض فيه.
وحاصل هذه الجملة ، أن النظر من الرؤية بمنزلة الإصغاء من السماع ، والذوق من إدراك الطعم ، والشم من إدراك الرائحة.
فإن قيل : النظر إذا أطلق يحتمل معاني كثيرة على ما ذكرتموه ، فأما إذا علق بالوجه فلا يحتمل إلا الرؤية ، كما أنه إذا علق بالقلب لا يحتمل إلا الفكر. وربما يقولون : إن النظر إذا علق بالوجه وعدي بإلى لم يحتمل إلا الرؤية.
قلنا : ما ذكرتموه أولا مما لا نسلمه ، فما دليلكم عليه؟
فإن قالوا : الدليل عليه ، هو أن الآلة التي يرى بها الشيء في الوجه ، فيجب في النظر إذا علق به أن لا يحتمل إلا الرؤية ، لأنه لو لم يكن كذلك لا يثبت لتعليقه به فائدة ، قلنا : لو وجب صحة ما ذكرتموه من حيث أن الآلة التي يرى بها الشيء في الوجه ، لوجب صحة أن يقول القائل ذقت بوجهي ويريد به أدركت الطعم ، لأن آلة الذوق في الوجه ، وهكذا في قوله شممت بوجهي ، وقد عرف خلافه.