لعلمنا ، وفي علمنا أن يكون مثلا لعلمه تعالى ، وهذا يوجب أن يكونا قديمين أو محدثين ، لأن المثلين لا يجوز افتراقهما في قدم ولا حدوث ، وذلك محال.
وهذه الدلالة مبنية على أصلين ، أحدهما ، هو أنه تعالى لو كان عالما بعلم لوجب في علمه أن يكون مثلا لعلمنا. وفي علمنا أن يكون مثلا لعلمه تعالى ، والثاني ، أن المثلين لا يجوز افتراقهما في قدم ولا حدوث.
أما الأول ، فالذي يدل عليه هو أنه تعالى إذا كان عالما بعلم لا بد في ذلك العلم من أن يكون متعلقا بما تعلق به علمنا وهذا يقتضي تماثلهما. لأن العلمين إذا تعلقا بمتعلق واحد على أخص ما يمكن كانا مثلين ، بدليل أنه لو طرأ عليهما ضد لنفاهما جميعا ، والشيء الواحد لا يجوز أن ينفي شيئين مختلفين غير ضدين.
فإن قيل : هذا إنما كان يجب إذا حصلا لعالم واحد ، فأما إذا تغاير العالمان فلا ، قلنا : تغاير العالمين بهما لا يوجب افتراقهما إلا في كيفية الوجوب ، والافتراق في ذلك والاتفاق فيه مما لا حظ له في اقتضاء الخلاف والوفاق ، ولهذا صح وجود المختلفين في محل واحد ووجود المثلين متغايرين ، لأنه لا تنافي بينهما ، ولا ما يجري مجرى التنافي.
وأما الذي يدل على أن المثلين لا يجوز افتراقهما في قدم ولا حدوث ، هو ما قد ثبت أن القدم مما يقع به الخلاف والوفاق ، والصفة التي يقع بها الخلاف والوفاق ، لا يجوز اتفاق المختلفين ولا افتراق المثلين فيها ، فصح ما قلناه. وباق أنه تعالى لو كان عالما بعلم لوجب في علمه أن يكون مثلا لعلمنا ، وهذا يقتضي أن يكونا قديمين أو محدثين ، وذلك محال.
والطريقة الثانية ، هو أنه تعالى لو كان عالما بعلم لكان لا يخلو ، إما أن يكون عالما بعلم واحد ، أو بعلوم منحصرة ، أو بعلوم لا نهاية لها. لا يجوز أن يكون عالما بعلوم لا تتناهى لأن وجود ما لا يتناهى محال ، ولا يجوز أن يكون عالما بعلوم منحصرة لأن انحصار العلوم يوجب انحصار المعلومات ، ولا أن يكون عالما بعلم واحد لأن العلم الواحد لا يجوز أن يتعلق بأزيد من متعلق واحد على طريق التفصيل ، فيجب أن لا يكون عالما بعلم أصلا.
فإن قيل : ومن أين أن العلم الواحد لا يجوز أن يتعلق بأزيد من متعلق واحد على طريق التفصيل؟ قلنا. لأن لو جاز أن يتعدى في التعلق من واحد إلى ما زاد عليه