وقوله : «عند ربّه» أي : عند الله في الآخرة. وقال الأصم : فهو خير له من التهاون (١).
قوله : (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ووجه النظم أنه كان يجوز أن يظن أن الإحرام إذا حرم الصيد وغيره فالأنعام أيضا تحرم ، فبيّن تعالى أن الإحرام لا يؤثر فيها ، ثم استثنى منه ما يتلى في كتاب الله من المحرمات من النعم في سورة المائدة في قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)(٢) ، وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)(٣)(٤).
قوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) يجوز أن يكون استثناء متصلا ، ويصرف إلى ما يحرم من بهيمة الأنعام لسبب عارض كالموت ونحوه. وأن يكون استثناء منقطعا ، إذ ليس فيها محرم (٥) وقد تقدم تقرير هذا أول المائدة (٦).
قوله : (مِنَ الْأَوْثانِ). في «من» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها لبيان الجنس (٧) ، وهو مشهور قول المعربين ، ويقدر (٨) بقولك الرجس الذي هو الأوثان. وقد تقدم أن شرط كونها بيانية ذلك (٩) ويجيء مواضع كثيرة لا يتأتى فيها ذلك ولا بعضه.
والثاني : أنها لابتداء الغاية (١٠).
قال شهاب الدين : وقد خلط أبو البقاء القولين فجعلهما قولا واحدا. فقال : و «من» لبيان الجنس ، أي : اجتنبوا الرجس من هذا القبيل وهو معنى ابتداء الغاية
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣٢.
(٢) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ»[الآية : ١].
(٣) [الأنعام : ١٢١].
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣٢.
(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٤١.
(٦) عند قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة : ١].
(٧) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٢٥ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٧ ، الكشاف ٣ / ٣١ تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٣ ، البيان ٢ / ١٧٤ ، التبيان ٢ / ٩٤١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٦.
(٨) في الأصل : ويتقدر.
(٩) أي أن شرط كون (من) لبيان الجنس صحة وقوع الموصول مع ضمير يعود على ما قبلها إن كان ما قبلها معرفة كما هنا ، أما إن كان ما قبلها نكرة فشرطها صحة وقوع الضمير فقط كقوله تعالى :«مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ»[الحج : ٢٣] أي : هي ذهب. شرح التصريح ٢ / ٨ / ، وشرح الأشموني ٢ / ٢١١.
(١٠) فكأنه نهاهم عن الرجس عامّا ثم عيّن لهم مبدأه الذي منه يلحقهم ؛ إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس. تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٦.