أيها الناس ألا إن ربكم قد بنى بيتا ، وقد كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم (١) ، فأجابه كل من يحج من أصلاب الآباء وأرحام الأمّهات لبيك اللهم لبيك. قال ابن عباس (٢) : فأول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجا (٣). وقال مجاهد : من أجاب مرّة حجّ مرّة ومن (٤) أجاب مرتين أو أكثر فيحج مرتين أو أكثر بذلك المقدار (٥). قال ابن عباس : لما أمر الله إبراهيم بالأذان تواضعت له الجبال وخفضت وارتفعت له القرى (٦). وقال الحسن وأكثر المعتزلة : إنّ المأمور بالأذان هو محمد ـ عليهالسلام (٧) ـ واحتجوا بأن ما جاء في القرآن وأمكن حمله على أن محمدا هو المخاطب فهو أولى وقد بينا أن قوله : (وَإِذْ بَوَّأْنا) ، أي : واذكر يا محمد إذ بوأنا ، فهو في حكم المذكور ، فلما قال : (وَأَذِّنْ) فإليه يرجع الخطاب (٨). قال الجبائي : أمر محمدا ـ صلّى الله عليه وسلّم (٩) ـ أن يفعل ذلك في حجة الوداع. قالوا : إنه ابتداء فرض الحج من الله تعالى للرسول ، وفي قوله : «يأتوك» دلالة على أن المراد أن يحج فيقتدى به (١٠).
وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «إنّ الله قد فرض عليكم (١١) الحجّ فحجّوا»(١٢).
قوله : «رجالا» نصب على الحال (١٣) ، وهو جمع راجل نحو : صاحب وصحاب ، وتاجر وتجار ، وقائم وقيام (١٤). وقرأ عكرمة والحسن وأبو مجلز «رجّالا» بضم الراء وتشديد الجيم.
وروي عنهم تخفيفها ، وافقهم ابن أبي إسحاق على التخفيف ، وجعفر بن محمد ومجاهد على التشديد ، ورويت (١٥) عن ابن عباس أيضا (١٦). فالمخفف اسم جمع كظؤار (١٧) ، والمشدد جمع تكسير كصائم وصوام (١٨). وروي عن عكرمة أيضا «رجالى»
__________________
(١) في ب : إلى ربكم.
(٢) في النسختين : ابن سعيد. والصواب ما أثبته.
(٣) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٧٣ ـ ٥٧٤.
(٤) في ب : من.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٨.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٨.
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٩.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٩.
(١١) في ب : لكم.
(١٢) أخرجه مسلم (حج) ٢ / ٥٠٨ ، أحمد ٢ / ٥٠٨.
(١٣) من الواو في «يأتوك». البيان ٢ / ١٧٤ ، التبيان ٢ / ٩٤٠.
(١٤) وذلك أن (فعال) من أمثلة جمع الكثرة ، ويحفظ في وصف على (فاعل) كصائم وصيام ، أو (فاعلة) كصائمة وصيام. شرح التصريح ٢ / ٣٠٩ ، شرح الأشموني ٤ / ١٣٥.
(١٥) في ب : وروي.
(١٦) المختصر (٩٥) ، المحتسب ٢ / ٧٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.
(١٧) انظر الكتاب ٣ / ٦٠٩. وانظر المحتسب ٢ / ٧٣.
(١٨) (فعّال) من أمثلة جمع الكثرة ، ويطرد في كل وصف لمذكر على (فاعل) صحيح اللام ، نحو ضارب وقائم وقارىء تقول في جمعها ضرّاب وقوّام وقرّاء وندر فعال في المعتل اللام ، كغاز وغزاء. شرح التصريح ٢ / ٣٠٨. شرح الأشموني ٤ / ١٣٣ ـ ١٣٤.