بالتسليم على الكفرة ، وإنما أمروا بالمسالمة ، ثم نسخ ذلك ، ولم يذكر سيبويه نسخا إلا في هذه الآية (١).
قوله : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً). لما ذكر وصفهم بالنهار من وجهين :
أحدهما : ترك الإيذاء بقوله : (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)(٢).
والثاني : تحمل الإيذاء بقوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)(٢) شرح صفتهم في الليل (٣). قال الزجاج : كل من أدركه الليل قيل : بات وإن لم ينم كما يقال : بات فلان قلقا (٤). والمعنى يبيتون لربهم سجدا على (٥) وجوههم ، وقياما على أقدامهم (٦) قال ابن عباس : من صلى بعد العشاء ركعتين فقد بات ساجدا وقائما (٦). وروى عثمان بن عفان قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة» (٧).
قوله : «سجّدا» خبر «يبيتون» ، ويضعف أن تكون تامة. أي : دخلوا في البيات ، و «سجّدا» حال و «لربّهم» متعلق ب «سجّدا». وقدم السجود على القيام وإن كان بعده في الفعل ، لاتفاق الفواصل (٨). و «سجّدا» جمع ساجد كضرّاب في ضارب.
وقرأ أبو البرهسيم «سجودا» (٩) بزنة قعود ، ويبيت هي اللغة الفاشية ، وأزد السّراة وبجيلة يقولون : يبات ، وهي لغة العوام اليوم (١٠).
قوله : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ). قال ابن عباس : يقولون في سجودهم وقيامهم هذا القول (١١).
قوله : «غراما» أي : لازما دائما ، وعن الحسن : كل غريم يفارق غريمه إلّا غريم جهنم (١٢). وأنشد بشر بن أبي خازم (١٣) :
__________________
(١) قال سيبويه : (وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل : سلاما ، تريد تسليما منك ، كما قلت : براءة منك ، تريد لا ألتبس بشيء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول : إذا لقيت فلانا فقل له : سلاما. فزعم أنه سأله ففسره له بمعنى براءة منك. وزعم أن هذه الآية : «وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً» بمنزلة ذلك ، لأن الآية فيما زعم مكية ، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ، ولكنه على قولك : براءة منكم وتسليما لا خير بيننا وبينكم ولا شر) الكتاب ٢ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨.
(٢) من الآية السابقة.
(٢) من الآية السابقة.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨.
(٤) انظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٧٥.
(٥) على : سقط من ب.
(٦) انظر البغوي ٦ / ١٩٢.
(٧) أخرجه أبو داود (صلاة) ١ / ٣٧٦ ، الترمذي (صلاة) ١ / ١٤٢. الدارمي (صلاة) ١ / ٢٧٨ ، أحمد ١ / ٦٨.
(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٣.
(٩) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٣.
(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٣.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨.
(١٢) انظر البغوي ٦ / ١٩٣.
(١٣) هو بشر بن أبي خازم ، من بني أسد ، جاهلي قديم ، وشهد حرب أسد وطيىء ، وشهد هو وابنه نوفل ـ