كاتب ، وصل الفعل فيه المفعولين : أحدهما : مسرح (١) ، وهو ضمير الأساطير والآخر مقيّد (٢) ، وهو ضميره عليهالسلام (٣) ـ ، ثم اتسع في الفعل ، فحذف حرف الجر ، فصار «اكتتبها إياه كاتب» ، فإذا بني هذا للمفعول إنما ينوب عن الفاعل المفعول المسرح لفظا وتقديرا ، لا المسرح لفظا المقيد تقديرا ، فعلى هذا كان يكون التركيب (اكتتبه) لا (اكتتبها) ، وعلى هذا الذي قلناه جاء السماع ، قال الفرزدق :
٣٨٦١ ـ ومنّا الّذي اختير الرجال سماحة |
|
وجودا إذا هبّ الرياح الزّعازع (٤) |
ولو جاء على ما قدره الزمخشري لجاء التركيب : ومنّا الذي اختيره الرجال. لأن (اختير) تعدى إلى الرجال بإسقاط حرف الجر ؛ إذ تقديره : اختير من الرجال (٥). وهو اعتراض حسن بالنسبة (٦) إلى مذهب الجمهور ، ولكن الزمخشري قد لا يلتزمه ، ويوافق الأخفش والكوفيين ، وإذا كان الأخفش وهم يتركون المسرح لفظا وتقديرا ، ويقيمون المجرور بالحرف مع وجوده ، فهذا (٧) أولى (٨).
والظاهر أن الجملة من قوله «اكتتبها فهي تملى» من تتمة قول الكفار (٩).
وعن الحسن أنها من كلام الباري تعالى ، وكان حق الكلام على هذا أن يقرأ «أكتتبها» بهمزة مقطوعة مفتوحة للاستفهام (١٠) كقوله : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ)(١١) [سبأ : ٨]. ويمكن أن يعتذر عنه أنه حذف الهمزة للعلم بها كقوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) [الشعراء : ٢٢]. وقول الآخر :
__________________
(١) أي تعدى إليه الفعل بنفسه لا بحرف الجر.
(٢) أي تعدى إليه الفعل بحرف الجر.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) البيت من بحر الطويل ، قاله الفرزدق. سماحة وجودا : مصدران منصوبان على المفعول لأجله ، كأنه قيل : اختير من الرجال لسماحته وجوده ، ويجوز أن يكونا حالين أو تمييزين.
الزعازع : جمع زعزع ، وهي الرياح التي تهب بشدة ، عنى بذلك الشتاء والشاهد فيه أن نائب الفاعل في قوله (اختير) ضمير مستتر يعود على المفهوم من الكلام المتقدم ، وهو المفعول الأول الذي تعدى إليه الفعل بنفسه ، و (الرجال) هو المفعول الثاني ، وهو منصوب في البيت على نزع الخافض ، والتقدير : من الرجال. وفي ب : والزعازع. وهو تحريف.
(٥) في ب : ما النسبة. وهو تحريف.
(٦) البحر المحيط ٦ / ٤٨٢.
(٧) في ب : وهذا.
(٨) ذهب الكوفيون ووافقهم بعض المتأخرين إلى أن قيام المفعول به المجرور مقام الفاعل أولى لا أنه واجب ، والأخفش أجاز نيابة الظرف والمصدر مع وجود المفعول به ، بشرط تقدمهما على المفعول به ووصفهما. وجوز الفراء وابن مالك في الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين ثانيهما بحرف الجر عند بنائه للمفعول إقامة الثاني نحو اختير الرجال زيدا. الكافية ١ / ٨٤ ـ ٨٥ ، الهمع ١ / ١٦٢.
(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٢.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٢.
(١١) [سبأ : ٨]. والاستشهاد بالآية أن هذا من كلام الله ، يدل على ذلك مجيء الهمزة المفتوحة بالقطع للاستفهام ، فلو كان (اكتتبها) من كلام الله لجيء بهمزة الاستفهام قبله.