قال (١) الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث هو الذي قال هذا القول «وأعانه عليه قوم آخرون» يعني : عامر مولى حويطب بن عبد العزى ، ويسار غلام عامر بن الحضرمي ، وجبير مولى عامر ، هؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب ، وكانوا يقرؤون التوراة ، فلما أسلموا ، وكان النبي يتعهدهم ، فمن أجل ذلك قال النضر ما قال (٢). وقال الحسن : عبيد بن الحصر (٣) الحبشيّ الكاهن (٤). وقيل : جبر ويسار وعداس عبيد كانوا بمكة من أهل الكتاب ، فزعم المشركون أن محمدا يأخذ منهم (٥).
قوله : «افتراه» الهاء تعود على «إفك» وقال أبو البقاء : الهاء تعود على «عبده» في أول السورة (٦). قال شهاب الدين (٧) : ولا أظنه إلا غلطا وكأنه أراد أن يقول الضمير المرفوع في «افتراه» فغلط (٨).
قوله : «ظلما» فيه أوجه :
أحدها : أنه مفعول به ، لأن جاء يتعدى بنفسه (وكذلك أتى) (٩)(١٠).
والثاني : أنه على إسقاط الخافض ، أي : جاءوا بظلم. قاله الزجاج (١١).
الثالث : أنه في موضع الحال (١٢) ، فيجيء فيه ما في قولك : جاء زيد عدلا (١٣).
قال الزمخشري : «فقد جاءوا ظلما وزورا» أي : أتوا (١٤) ظلما وكذبا كقوله (١٥) : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا)(١٦) [مريم : ٨٩] فانتصب بوقوع المجيء (١٧). أما كونه «ظلما»
__________________
(١) في ب : وقال.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٠.
(٣) كذا في البغوي ، وفي الأصل : الحضرمي ، وفي ب : الحضرمي في.
(٤) انظر البغوي ٦ / ١٥٧.
(٥) المرجع السابق.
(٦) التبيان ٢ / ٩٨٠.
(٧) في الأصل : قاله. وهو تحريف.
(٨) الدر المصون ٥ / ١٣٦. وفي ب : فغلط افتراه اختلقه والافتراء افتعال من فريت يقال : فريت الأديم.
(٩) حكاه أبو حيان عن الكسائي. البحر المحيط ٦ / ٤٨١ ، وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٨٨ ، والتبيان ٢ / ٩٨٠.
(١٠) ما بين القوسين في ب : ولذلك أتى به.
(١١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٥٨ ، وانظر أيضا الكشاف ٣ / ١٨٨.
(١٢) انظر التبيان ٢ / ٩٨٠.
(١٣) أي أنه مصدر في موضع الحال مؤول بالمشتق والتقدير : جاؤوا ظالمين ، أو على حذف مضاف أي : ذوي ظلم ، هذا مذهب البصريين ، ومذهب الكوفيين أنه مفعول مطلق للفعل السابق عليه ، وقيل : لفعل مقدر من لفظه ، والتقدير : جاؤوا يظلمون ظلما.
(١٤) في النسختين : كفروا. والتصويب من الفخر الرازي.
(١٥) في ب : لقوله.
(١٦) [مريم : ٨٩]. والاستشهاد بالآية على أن المصدر منصوب بالفعل السابق وليس حالا.
(١٧) لم أجده في الكشاف ، وهو موجود في الفخر الرازي ، وقد نسبه ابن الخطيب إلى الكسائي. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٠. وكان الأولى في هذه العبارة أن تكون بعد الوجه الأول ؛ لأنها تدل على أن الفعل تعدى إلى المصدر فنصبه.