قوله : (إِنْ لَبِثْتُمْ) أي (١) : ما لبثتم (إِلَّا قَلِيلاً) ، وكأنه قيل لهم : صدقتم (٢) ما لبثتم فيها إلّا قليلا ، لأنها في مقابلة أيام الآخرة (٣).
قوله : (لَوْ أَنَّكُمْ) جوابها محذوف تقديره : لو كنتم تعلمون مقدار لبثكم من الطول لما أجبتم بهذه المدة. وانتصب «قليلا» (على النعت) (٤) لزمن (٥) محذوف (أو لمصدر محذوف) (٦) أي : إلّا زمنا قليلا ، أو إلّا لبثا قليلا (٧).
قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) الآية في نصب (عبثا) وجهان :
أحدهما : أنّه مصدر واقع موقع الحال أي : عابثين.
والثاني : أنه مفعول من أجله أي : لأجل العبث (٨). والعبث : اللعب ، وما لا فائدة فيه ، أي : لتعبثوا (٩) وتلعبوا ، كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب ، وكل ما ليس له غرض صحيح. يقال : عبث يعبث عبثا إذا خلط عليه بلعب ، وأصله من قولهم عبثت (١٠) الأقط (١١) ، أي : خلطته (١٢) ، والعبيث : طعام مخلوط بشيء ، ومنه العوبثاني لتمر وسويق وسمن مختلط. قوله : (وَأَنَّكُمْ) يجوز أن يكون معطوفا على (أنّما خلقناكم) لكون الحسبان منسحبا عليه (١٣) وأن يكون معطوفا على (عبثا) إذا كان مفعولا من أجله.
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون معطوفا على (عبثا) أي : للعبث ولترككم غير مرجوعين (١٤) وقدّم «إلينا» على (تُرْجَعُونَ) لأجل الفواصل.
قوله : (لا تُرْجَعُونَ) هو خبر «أنّكم» (١٥) ، وقرأ الأخوان (١٦) «ترجعون» مبنيا للفاعل ، والباقون مبنيا للمفعول (١٧). وقد تقدّم أن (رجع) يكون لازما ومتعديا (١٨). وقيل : لا يكون إلا متعدّيا ، والمفعول محذوف.
__________________
(١) أي : سقط من ب.
(٢) في ب : صدقهم. وهو تحريف.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٨.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) في ب : بزمن.
(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٦٢.
(٧) انظر الكشاف ٣ / ٥٨ ، التبيان ٢ / ٩٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.
(٨) في ب : لعبثوا. وهو تحريف.
(٩) في ب : عبث.
(١٠) الأقط : شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل. اللسان (أقط).
(١١) في ب : خلطه.
(١٢) اللسان (عبث).
(١٣) انظر الكشاف ٣ / ٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.
(١٤) الكشاف ٣ / ٥٨.
(١٥) في ب : لكم. وهو تحريف.
(١٦) حمزة والكسائي.
(١٧) السبعة (٤٤٩ ـ ٤٥٠) الحجة لابن خالويه (٢٥٩) الكشف ٢ / ١٣٨ ، النشر ٢ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، الإتحاف ٣٢١.
(١٨) عند قوله تعالى : «وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ» [البقرة : ٢٨١] انظر اللباب ٢ / ١٤٢.