والمعنى : إن الذين هم من عذاب ربهم مشفقون أي : خائفون من عقابه (١).
قوله : (مِنْ خَشْيَةِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنها لبيان الجنس. قال ابن عطية : هي لبيان جنس الإشفاق (٢).
قال شهاب الدين : وهي عبارة (٣) قلقة (٤).
والثاني : أنها متعلقة ب «مشفقون». قاله الحوفي (٥) ، وهو واضح.
قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) يصدّقون ، وآيات الله هي المخلوقات الدالة على وجوده (٦). (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) وليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله ـ تعالى ـ ، لأن ذلك داخل في قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) بل المراد منه نفي الشرك الخفيّ ، وهو أن يكون مخلصا في العبادة لا يقدم عليها إلا لوجه الله وطلب رضوانه (٧).
قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) العامة على أنه من الإيتاء ، أي : يعطون ما أعطوا (٨).
وقرأت عائشة وابن عباس والحسن والأعمش : «يأتون ما أتوا» (٩) من الإتيان ، أي : يفعلون ما فعلوا من الطاعات (١٠). واقتصر أبو البقاء في ذكر الخلاف على «أتوا» فقط (١١) ، وليس بجيّد ، لأنّه يوهم أن من قرأ «أتوا» بالقصر قرأ «يؤتون» من الرباعي وليس كذلك.
قوله : (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) هذه الجملة حال من فاعل «يؤتون» ، فالواو للحال ، والمعنى : يعطون ما أعطوه ، ويدخل فيه كل حق يلزم إيتاؤه سواء كان من حقوق الله كالزكوات ، والكفارات وغيرها (١٢). أو من حقوق الآدميين ، كالودائع ، والديون وأصناف الإنصاف والعدل. وبيّن أن ذلك إنما ينفع إذا فعلوه (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ، أي : إنهم يقدمون على العبادة على وجل (١٣) من تقصير وإخلال بنقصان (١٤).
روي أن عائشة سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)
__________________
(١) وهو قول الكلبي ومقاتل. آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٧.
(٢) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٦٩.
(٣) في ب : عبادة. وهو تحريف.
(٤) الدر المصون : ٥ / ٩٠.
(٥) البرهان ٦ / ١٥٧.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٧.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٨.
(٨) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٧٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.
(٩) المختصر (٩٨) ، المحتسب ٢ / ٩٥ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.
(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٤١٠.
(١١) قال أبو البقاء : (ويقرأ : «أتوا» بالقصر ، أي : ما جاؤوه) التبيان ٢ / ٩٥٧.
(١٢) في ب : أو غيرها.
(١٣) في ب : وجه. وهو تحريف.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٨.