عليهالسلام (١) ـ ، ثم استودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس ، فذلك قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ (٢) فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) ، ثم يرفعها عند خروج (٣) يأجوج ومأجوج ، ويرفع أيضا القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ، ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه ، فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله : (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) ، فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا والدين (٤). وقيل : معنى : (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) : ما تبقّى في الغدران والمستنقعات ينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر.
وقيل : فأسكناه في الأرض ثم أخرجنا منها ينابيع ، فماء الأرض كله من السماء.
قوله : (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (عَلى ذَهابٍ) متعلق ب «لقادرون» (٥) واللام كما تقدم (٦) غير مانعة من ذلك ، و «به» متعلق ب «ذهاب» (٧) ، وهي مرادفة للهمزة (٨) كهي في «لذهب بسمعهم» (٩) أي : على إذهابه (١٠) والمعنى : كما قدرنا على إنزاله كذلك (١١) نقدر على رفعه وإزالته فتهلكوا عطشا ، وتهلك مواشيكم وتخرب أرضكم (١٢).
قال الزمخشري : قوله : (عَلى ذَهابٍ بِهِ) من أوقع (١٣) النكرات وأحزها للمفصل (١٤) ، والمعنى : على وجه من وجوه الذهاب به ، وطريق من طرقه ، وفيه إيذان (١٥) بكمال (١٦) اقتدار المذهب وأنه (١٧) لا يتعايا عليه شيء ، وهو أبلغ في (١٨) الإيعاد من قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(١٩)(٢٠) واعلم أنه تعالى لمّا نبّه على عظيم (٢١) نعمته بخلق الماء ذكر بعده النعم الحاصلة من الماء فقال (٢٢)(فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ) ، أي : بالماء (جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) ، وإنما ذكر النخيل والأعناب لكثرة منافعهما فإنهما يقومان مقام الطعام والإدام والفاكهة رطبا ويابسا ، وقوله :
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) بقدر : سقط من الأصل.
(٣) في الأصل : نزول. وهو تحريف.
(٤) انظر البغوي ٦ / ١٣ ـ ١٤ ، الدر المنثور ٥ / ٨ ، وفيه قال السيوطي (أخرج ابن مردويه والخطيب بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلىاللهعليهوسلم).
(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٥١.
(٦) تقدم قريبا.
(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٥١.
(٨) في كونها للتعدية.
(٩) من قوله تعالى : «وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» [البقرة : ٢٠].
(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٠٠.
(١١) في ب : فكذلك.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٠.
(١٣) في ب : أرفع. وهو تحريف.
(١٤) في ب : للفصلى.
(١٥) في النسختين إنذار.
(١٦) في ب : لكمال.
(١٧) في الأصل : فإنه.
(١٨) في الأصل : من. وهو تحريف.
(١٩) [الملك : ٣٠].
(٢٠) الكشاف ٣ / ٤٥.
(٢١) في ب : عظم.
(٢٢) فقال : سقط من ب.