يماثل الآخر في ذاته ولوازمه ، فلا بدّ من أمر لأجله يصير السجود في إحدى الصورتين طاعة ، وفي الأخرى معصية ، قالوا : وما ذاك إلا القصد والإرادة ، والمراد من القصد : إيقاع تلك الأفعال لداعية الامتثال ، وهذه الداعية لا يمكن حصولها إلا عند الحضور (١).
قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) قال عطاء (٢) عن ابن عباس : عن الشرك (٣).
وقال الحسن : عن المعاصي (٤). وقال الزجاج : كل باطل ، ولهو (٥) وما لا يجمل (٦) من القول والفعل (٧). وقيل : هو معارضة الكفار بالشتم والسب ، قال الله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(٨) أي : إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه (٩).
واعلم أن اللغو قد يكون كفرا كقوله تعالى : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)(١٠) ، وقد يكون كذبا لقوله (١١) تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً)(١٢) ، وقوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً)(١٣). ولما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه بوصفهم بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك (١٤).
قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) اللام في قوله : «للزّكاة» مزيدة في المفعول لتقدمه على عامله (١٥) ، ولكونه فرعا (١٦). والزكاة في الأصل مصدر ، ويطلق على القدر المخرج من الأعيان ، وقال الزمخشري : اسم مشترك بين عين ومعنى ، فالعين القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب ، والمعنى فعل المزكي ، وهو الذي أراده الله فجعل المزكين فاعلين له ، ولا يسوغ فيه غيره ، لأنه ما من مصدر إلا يعبر عنه بالفعل ، ويقال لمحدثه فاعل ، تقول للضارب : فاعل الضرب ، وللقاتل : فاعل القتل ، وللمزكي : فاعل التزكية ، وعلى هذا الكلام كله ، والتحقيق في هذا أنك تقول في جميع الحوادث : (من فعل هذا) فيقال لك : فاعله الله أو بعض الخلق ، ولم يمتنع الزكاة الدالة على العين أن يتعلق بها (فاعلون) (١٧) لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل ، ولكن لأنّ الخلق ليسوا بفاعليها ، وقد أنشدوا لأمية بن أبي الصلت :
__________________
(١) الفخر الرازي ٢٣ / ٧٨ ـ ٨٠.
(٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ٦.
(٣) في الأصل : عن الشعبي. وهو تحريف.
(٤) في الأصل : عن ابن العاصي. وهو تحريف.
(٥) في ب : وهو. وهو تحريف.
(٦) في ب : يحل. وهو تحريف.
(٧) قال الزجاج : (اللغو كل لعب وهزل ، وكل معصية فمطرحة ملغاة ، وهم الذين قد شغلهم الجد فيما أمرهم الله به عن اللغو) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦.
(٨) من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً» [الفرقان : ٧٢].
(٩) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٦ / ٦.
(١٠) من قوله تعالى : «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» [فصلت : ٢٦].
(١١) في الأصل : كقوله. وهو تحريف.
(١٢) [الغاشية : ١١].
(١٣) [الواقعة : ٢٥]. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٠.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٠.
(١٥) في الأصل : حاله. وهو تحريف.
(١٦) البحر المحيط ٦ / ٣٩٥.
(١٧) ما بين القوسين تكملة من الكشاف.