ومن ذلك «جاء» و «أتى» يستويان في الماضي ، و «يأتي» أخف من «يجيء» وكذا في الأمر و «جيئوا بمثله» [أثقل من «فأتوا بمثله»] (١) ولم يذكر الله إلا «يأتي» و «يأتون» وفي الأمر «فأت» «فأتنا» «فأتوا» لأنّ إسكان الهمزة ثقيل لتحريك حروف المد واللين ، تقول «جيء» أثقل من «ائت».
وأما في الماضي ففيه لطيفة ، وهي أن (٢) «جاء» يقال في الجواهر [٢٦٤ / أ] والأعيان ، «وأتى» في المعاني والأزمان ، وفي مقابلتهما : ذهب ومضى ، يقال ذهب في الأعيان ، ومضى في الأزمان ، ولهذا يقال : حكم فلان ماض ، ولا يقال : ذاهب ؛ لأن الحكم ليس من الأعيان.
٤ ـ / ٨١ وقال [تعالى] : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) (البقرة : ١٧) ، ولم يقل «مضى» لأنّه يضرب له المثل بالمعاني المفتقرة إلى الحال ، ويضرب له المثل بالأعيان القائمة بأنفسها ؛ فذكر الله [تعالى] «جاء» في موضع الأعيان في الماضي ، «وأتى» في موضع المعاني والأزمان.
وانظر قوله تعالى : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) (يوسف : ٧٢) ؛ لأن الصّواع عين.
(و [لَمَّا]) (٣) جاءَهُمْ كِتابٌ (البقرة : ٨٩) لأنه عين ، وقال : (وَجِيءَ [يَوْمَئِذٍ] بِجَهَنَّمَ) (الفجر : ٢٣) لأنها عين.
و [أما] قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) (النحل : ٦١) ، فلأنّ الأجل كالمشاهد ، ولهذا يقال : حضرته الوفاة وحضره الموت. وقال تعالى : (بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) (الحجر : ٦٣) ، أي العذاب لأنه مرئيّ يشاهدونه ، وقال : (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (الحجر : ٦٤) ، حيث لم يكن الحق مرئيّا.
(فإن قيل) : فقد قال تعالى : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) (يونس : ٢٤) ، وقال : [تعالى] : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) (هود : ٥٨) ، فجعل الأمر آتيا وجائيا. (قلنا) : هذا يؤيد ما ذكرناه ؛ فإنه لما قال : (جاءَ) وهم ممن يرى الأشياء ، قال : (جاءَ) أي عيانا ، ولما كان الروع (٤) لا يبصر [ولا يسمع] (٥) ولا يرى ، قال : (أَتاها) ، ويؤيد هذا : أن «جاء»
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) أن تفسيرية بمعنى (أي).
(٣) ليست في المخطوطة ، والصّواع : إناء يشرب فيه.
(٤) تصحفت في المطبوعة إلى (الزرع).
(٥) ليست في المطبوعة.