فيه من ضعف القوة ، وقال تعالى : (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) ، فإن الخوف من الله لعظمته ، يخشاه كلّ أحد كيف كانت حاله ، وسوء الحساب ربما لا يخافه من كان عالما بالحساب ، وحاسب نفسه قبل أن يحاسب.
وقال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (فاطر : ٢٨) ، وقال لموسى : ٤ / ٧٩ (لا تَخَفْ) (النمل : ١٠) ، أي لا يكون عندك من ضعف نفسك ما تخاف منه [بسبب] (١) فرعون.
فإن قيل : ورد : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ)؟
قيل : الخاشي من الله بالنسبة إلى عظمة الله ضعيف ، فيصحّ أن يقول : «يخشى ربه» لعظمته ، ويخاف ربه ، أي لضعفه بالنسبة إلى الله [تعالى].
وفيه لطيفة ، وهي أنّ الله تعالى لما ذكر الملائكة وهم أقوياء ذكر صفتهم بين يديه (٢) ، فقال : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (النحل : ٥٠) ، فبيّن أنهم عند الله ضعفاء ، ولما ذكر المؤمنين من الناس وهم ضعفاء لا حاجة إلى بيان ضعفهم ، ذكر ما يدلّ على عظمة الله [تعالى] ، فقال : (يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) ، ولما ذكر ضعف الملائكة بالنسبة إلى قوة الله [تعالى] قال : (رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) ، والمراد فوقيّة بالعظمة.
ومن ذلك الشحّ والبخل ، والشحّ هو البخل الشديد ؛ وفرق العسكريّ (٣) «بين البخل والضّنّ ، بأن الضّنّ أصله أن يكون بالعواري والبخل بالهيئات ، ولهذا يقال : هو ضنين بعلمه ، ولا يقال : هو بخيل ، لأن العلم أشبه بالعاريّة منه بالهبة ؛ لأن الواهب إذا وهب شيئا خرج عن ملكه بخلاف العاريّة ، ولهذا قال تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (التكوير : ٢٤) ، ولم يقل ب (بخيل)».
٤ ـ / ٨٠ ومن ذلك الغبطة والمنافسة ، كلاهما محمود ، قال تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) في المخطوطة (بين يدي الله تعالى).
(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (العكبري) والصواب ما في المطبوعة ، وهو الحسن بن عبد الله بن سهل تقدم التعريف به في ٣ / ٥٣ وانظر قوله في كتابه «الفروق اللغوية» ص ١٤٤ الباب الثاني عشر في الفرق بين القسم والحظ ... ، ومنه : ومما يخالف السخاء في هذا الباب ، البخل.