وأيضا : فكيف يحسن التبعيض فيها ، مع أن الإسلام يجبّ ما قبله ، فيصحّ قول الأخفش ، فالجواب من وجوه :
أحدها : أن المراد بغفران (١) بعض الذنوب في الدنيا ، [لأن إغراق قوم نوح عذاب لهم ، وذلك إنما كان في الدنيا] (٢) مضافا إلى عذاب الآخرة ، فلو آمنوا لغفر لهم من الذنوب ما استحقوا به الإغراق في الدنيا ، وأما غفران الذنب بالإيمان في الآخرة فمعلوم.
والثاني : أن الكافر إذا آمن فقد بقي عليه ذنوب وهي مظالم العباد ، فثبت التبعيض بالنسبة للكافر.
الثالث : أن قوله : (ذُنُوبِكُمْ) يشمل الماضية والمستقبلة ، فإنّ الإضافة تفيد العموم ، فقيل : «من» لتفيد أن المغفور الماضي ، وعدم إطماعهم في غفران المستقبل بمجرد الإسلام [٣٢٠ / أ] حتى يجتنبوا المنهيات.
وقيل : [إنها] (٢) لابتداء الغاية وهو حسن ، لقوله : (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (الأنفال : ٣٨) ، وسيبويه (٣) يقدّر في نحو ذلك مفعولا محذوفا ، أي يغفر لكم بعضا من ذنوبكم محافظة على معنى التبعيض.
وقيل : بل الحذف للتفخيم ، والتقدير : «يغفر لكم من ذنوبكم ما لو كشف لكم عن كنهه لاستعظمتم ذلك» ، والشيء إذا أرادوا تفخيمه أبهموه ، كقوله : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) (طه : ٧٨) ، أي أمر عظيم.
وقال الصّفّار (٤) : «من» للتبعيض على بابها ، وذلك أن «غفر» تتعدى لمفعولين :
أحدهما : باللام ، فالأخفش (٥) يجعل المفعول المصرح «الذنوب» وهو المفعول الثاني ، فتكون «من» زائدة ، ونحن نجعل المفعول (٦) محذوفا ، وقامت «من ذنوبكم»
__________________
(١) في المخطوطة (بالغفران).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) الكتاب ٤ / ٢٢٥ (باب عدّة ما يكون عليه الكلم).
(٤) هو القاسم بن علي البطليوسي الصفار تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.
(٥) في المخطوطة (فالأحسن بجعل).
(٦) في المخطوطة (المصرح).