مقامه ، أي جملة من ذنوبكم ، وذلك أن المغفور لهم بالإسلام ما اكتسبوه في حال الكفر لا [في] (١) حال الإسلام ، والذي اكتسبوه في حال الكفر بعض ذنوبهم لا جميعها.
وأما قوله في آية الصدقة : ونكفّر (٢) عنكم من سيّئاتكم (البقرة : ٢٧١) فللتبعيض ، لأن أخذ الصدقة لا يمحو (٣) كل السيئات.
ومما احتجّ به الأخفش (٤) أيضا قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) (النور : ٣٠) ، أي أبصارهم ، وقوله : (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) (محمد : ١٥) ، أي كلّ الثمرات. وقوله : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (الأنعام : ٣٤).
وهذا ضعيف أيضا ، بل هي في الأول للتبعيض ، لأن النظر قد يكون عن تعمّد و [عن] (٥) غير تعمد ، والنهي إنما يقع على نظر العمد فقط ، ولهذا عطف عليه قوله [تعالى] : (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور : ٣٠) ، من غير إعادة «من» ، لأنّ حفظ الفروج واجب مطلقا ، ولأنه يمكن التحرّز منه ، ولا يمكن في النظر لجواز وقوعه اتفاقا ، وقد يباح للخطبة وللتعليم ونحوهما.
وأما الثانية ؛ فإنّ الله [تعالى] وعد أهل الجنة أن يكون لهم فيها كلّ نوع من أجناس الثمار مقدار ما يحتاجون إليه وزيادة ، ولم يجعل جميع الذي خلقه الله من الثمار عندهم ؛ بل عند كلّ منهم من الثمرات ما يكفيه ، وزيادة على كفايته ، وليس المعنى على أن جميع الجنس عندهم حتى لم تبق معه بقية ؛ لأنّ في ذلك وصف ما عند الله بالتناهي.
وأما الثالثة : فللتبعيض ، بدليل قوله : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) (النساء : ١٦٤).
__________________
(١) ساقطة من المطبوعة.
(٢) تصحفت في المطبوعة إلى (ويكفّر) ، وانظر الصفحة السابقة فقد تقدم فيها تخريج القراءة.
(٣) في المخطوطة (تمحص).
(٤) انظر كتابه معاني القرآن ١ / ٩٨ ـ ٩٩ (باب زيادة من).
(٥) ساقطة من المطبوعة.