وقوله : (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) (إبراهيم : ٣٧) ؛ فإنه كان [٣١٩ / أ] نزل ببعض ذريته.
الرابع : بيان الجنس. وقيل : إنها لا تنفك (١) عنه مطلقا ، حكاه التراس (٢) ؛ ولها علامتان : أن يصح وضع «الذي» موضعها ، وأن يصح وقوعها صفة لما قبلها.
وقيل : هي أن تذكر شيئا تحته أجناس ، والمراد أحدها ، فإذا أردت واحدا منها بينته ، كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (الحج : ٣٠) (٣) [فالرجس يشمل الأوثان] (٣) وغيرها ، فلما اقتصر عليه لم يعلم المراد ، فلما صرح بذكر الأوثان علم أنها المراد من الجنس. وقرنت ب «من» للبيان ؛ فلذلك قيل : إنها للجنس ، وأما اجتناب غيرها فمستفاد من دليل آخر ، والتقدير : واجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ، أي اجتنبوا الرجس الوثنيّ ، فهي راجعة إلى معنى الصفة.
وهي بعكس التي للتبعيض ؛ فإنّ تلك يكون ما قبلها بعضا مما بعدها. فإذا قلت : أخذت درهما من الدراهم كان الدرهم بعض الدراهم. وهذه ما بعدها بعض مما قبلها ، ألا ترى أن الأوثان بعض الرجس. ومنه قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (النور : ٥٥) أي الذين هم أنتم ؛ لأنّ الخطاب للمؤمنين ، فلهذا لم يتصور فيها التبعيض.
وقد اجتمعت المعاني الثلاثة في قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) (النور : ٤٣) ، ف «من» الأولى لابتداء الغاية ، أي ابتداء الإنزال من السماء ، والثانية للتبعيض ؛ أي بعض جبال منها ، والثالثة لبيان الجنس ؛ لأنّ الجبال تكون بردا وغير برد.
ونظيرها : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (البقرة : ١٠٥) ، فالأولى للبيان ؛ لأن الكافرين نوعان : كتابيون ومشركون ، والثانية : مزيدة لدخولها على نكرة منفية ، والثالثة : لابتداء الغاية.
وقوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) (الكهف :
__________________
(١) في المخطوطة (تنفذ).
(٢) في المخطوطة (القواس). ولعله عبد العزيز بن زيد بن جمعة الموصلي الشهير (بابن القواس) تقدم التعريف به في ٤ / ٢١٥.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.