وفي قراءة ابن عامر بعد «أمه» (١) بالتخفيف ، أي نسيان وإلا لم يكن ليذكر تذكّر الفتى بعد النسيان. والذّكر على هذا يحتمل وجهين : أن يكون بمعنى التذكير ، ويكون مصدر ذكرته ذكرا ، فالتقدير : فأنساه الشيطان ذكره عند ربه ، فأضاف الذكر إلى الربّ ، وهو في الحقيقة مضاف إلى ضمير يوسف ، وجاز ذلك لملائمته بينهما.
وقد يخالف بين الضمائر حذرا من التنافر ، كقوله تعالى : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) (التوبة : ٣٦) ، لما عاد الضمير على «الاثني عشر» ، ثم قال : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة : ٣٦) ، لما أعاده على «أربعة» ، وهو جمع قلة.
وجوز بعضهم عوده على «الاثني عشر» أيضا ، بل هو الصواب ، لأنه لا يجوز أن ينهى عن الظلم في الأربعة [٢٥٥ / ب] ويبيح الظلم في الثمانية ؛ بل ترك الظلم في الكلّ واجب.
قلت : لكن يجوز التنصيص على أفضليّة الحرم ، فإن الظّلم قبيح مطلقا ، وفيهن أقبح ، فالظاهر الأول. ٤ / ٣٨
التاسع : قد يسدّ مسدّ الضمير أمور :
ـ منها الإشارة ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (الإسراء : ٣٦).
ـ ومنها الألف واللام ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى * وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (النازعات : ٣٧ إلى ٤١).
وقوله : (نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) (إبراهيم : ٤٤) ، أي رسلك.
وقوله : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ(٢) [فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف : ٩٠) ، أصل الكلام «أجره وصبره» ، ولما كان «المحسنون» جنسا ، و (مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ)] (٢) واحد تحته ، أغنى عمومه من عود الضمير إليه.
__________________
(١) قال أبو حيان في البحر المحيط ٥ / ٣١٤ عند تفسير الآية من سورة يوسف (وقرأ ابن عباس وزيد بن علي والضحاك وقتادة وأبو رجاء وشبيل بن عزرة الضبعي وربيعة بن عمرو «بعد أمه» بفتح الهمزة والميم مخففة وهاء).
(٢) ليست في المخطوطة.