(الشورى : ١٨). وفي هذا ردّ على الزمخشري (١) [٣١٥ / ب] حيث أنكر أن تكون هذه الآية من هذا القبيل.
فإن قلت : ما معنى قولهم : «لعل من الله واجبة» (٢)؟ هل ذلك من شأن المحبوب ، أو مطلقا؟ وإذا كانت في المحبوب فهل ذلك إخراج لها عن وضع الترجي إلى وضع الخبر ، فيكون مجازا أم لا؟
قلت : ليس إخراجا لها عن وضعها ؛ وذلك أنهم لما رأوها من الكريم للمخاطبين في ذلك المحبوب تعريض بالوعد ، وقد علم أن الكريم لا يعرض بأن يفعل إلا بعد التصميم عليه ، فجرى الخطاب الإلهي مجرى خطاب عظماء الملوك من الخلق. وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ...) الآية إلى (تَتَّقُونَ) (البقرة : ٢١) ، إطماع المؤمن بأن يبلغ بإيمانه درجة التقوى العالية ، لأنه بالإيمان يفتتحها وبالإيمان يختتمها ، ومن ثم قال مالك وأبو حنيفة : الشرع ملزم.
وقد قال الزمخشري (٣) : «وقد جاءت على سبيل الإطماع في مواضع من القرآن ، لكنّه كريم رحيم ، إذا أطمع (٤) فعل ما يطمع لا محالة ، فجرى إطماعه مجرى وعده» ، فلهذا قيل : إنّها من الله واجبة.
وهذا فيه رائحة الاعتزال في الإيجاب العقلي ، وإنما يحسن الإطماع دون التحقيق ، كيلا (٥) يتّكل العباد ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ [سَيِّئاتِكُمْ]) (٦) (التحريم : ٨).
__________________
(١) انظر قوله في «المفصل» ص ٣٠٢ ومن أصناف الحرف الحروف المشبهة بالفعل ، لعل ، حيث جعل الآية للترجي.
(٢) تقدم تخريج هذا القول في ٤ / ٢٥٢ ضمن «عسى» فهي بمعنى «لعل» ، وانظر «معالم التنزيل» للبغوي ١ / ٥٥ عند تفسيره لسورة البقرة الآية (٢١) ، وفي ٣ / ٢١٩ عند تفسير سورة طه قال : (وقال أبو بكر محمد بن عمر الوراق : لعل من الله واجب).
(٣) انظر قوله في «الكشاف» ١ / ٤٥ عند تفسير الآية من سورة البقرة.
(٤) في المخطوطة زيادة (فإذا عرف فعل).
(٥) في المخطوطة (في لا).
(٦) ليست في المطبوعة.