المانع من الشيء يأمر الممنوع ، بألاّ يفعل ، مهما كان المنع في تأويل الأمر بترك الفعل ، والحمل على تركه أجراه مجراها.
ومن هنا قوله تعالى : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (الحديد : ٢٩) أي لئن يعلم (١) ، لأن المعنى يتم بذلك. وقيل : ليست زائدة والمعنى عليها.
وهذا كما تكون محذوفة لفظا مرادة معنى ، كقوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (النساء : ١٧٦) ، المعنى ألاّ تضلوا ؛ لأن البيان إنما يقع لأجل ألاّ تضلوا. وقيل : على حذف مضاف ، أي كراهة أن تضلوا.
وأما السّيرافيّ فجعلها (٢) على بابها ، حيث جاءت ، زعم أن الإنسان إذا فعل شيئا لأمر ما ، قد [يكون] (٣) فعله لضدّه ، فإذا قلت : جئت لقيام زيد ، فإن المعنى أنّ المجيء وقع لأجل القيام ، وهل هو لأن يقع أو لئلا يقع؟ محتمل ، فمن جاء للقيام فقد جاء لعدم القيام ، ومن جاء لعدم القيام فقد جاء للقيام ؛ برهان ذلك أنّك إذا نصصت على مقصودك ، فقلت : جئت لأن يقع ، أو أردت أن يقع ، فقد جئت لعدم القيام (٤) [أي لأن يقع عدم القيام ، وهو ـ أعني عدم الوقوع ـ طلب وقوعه. وإن قلت : وقصدي ألاّ يقع القيام ، ولهذا جئت ، فقد جئت لأن يقع عدم القيام] (٤) ، فيتصور أن تقول : جئت للقيام وتعني به عدم القيام.
وكذلك قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (النساء : ١٧٦) أي يبين الضلال ، أي لأجل الضلال يقع البيان : هل [هو] (٤) لوقوعه أو عدمه؟ المعنى : يبين ذلك (٥).
وكذلك قوله تعالى : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ) (الحديد : ٢٩) أي فعل الله هذا لعدم علمهم : هل وقع أم لا؟ وإذا علموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله ، يبين لهم أنهم لا يعلمون ، فقوله : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ) باق على معناه ، ليس فيه زيادة.
الثالث : قبل قسم ، كقوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١) ، المعنى أقسم ،
__________________
(١) العبارة في المطبوعة (لئن لم).
(٢) عبارة المخطوطة (وجعلها السيرافي على حيث) ، وهو الحسن بن عبد الله بن المرزبان تقدم التعريف به في ١ / ٤١٤.
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) في المخطوطة زيادة (فبذلك يكون وأما أن لا يكون عالم فيها ، فذكره لعدم العلم ، هل وقع عدم العلم أو لم يقع كقولك : هو عالم ... ، دليل على أن المراد بعدم العلم وقوعه).