وعن ارتفاعهما في قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الروم : ٣٦) وفي قول الشاعر :
من (١) يفعل الحسنات الله يشكرها (٢)
والجواب عن الأول ، وهو السؤال عن علة تعاقب الفعل والفاء ؛ أن الجواب هو جملة تامة ؛ يجوز استقلالها (٣) فلا بدّ من شيء يدل على ارتباطها بالشرط ، وكونها جوابا له ؛ فإذا كانت الجملة فعلية صالحة لأن تكون جزاء ، اكتفي بدلالة الحال على كونها جوابا ؛ لأن الشرط يقتضي جوابا ، وهذه (٤) [الجملة تصلح جوابا ولم يؤت بغيرها ؛ فلزم كونها جوابا. وإذا تعقبت الجواب امتنع دخول الفاء للاستغناء عنها] (٤) ، فإن كانت الجملة غير فعلية لم تكن صالحة للجواب بنفسها ؛ لأنّ الشرط إنما يقتضي فعلين : شرطا وجزاء ؛ فما ليس فعلا ليس من مقتضيات أداة الشرط ؛ حتى يدلّ اقتضاؤها على أنه الجزاء ، فلا بدّ من رابطة ، فجعلوا الفاء رابطة ؛ لأنها للتعقيب ؛ فيدل تعقيبها الشرط بتلك الجملة ؛ على أنها الجزاء ، فهذا هو السبب في تعاقب الفعل والفاء في باب الجزاء.
والجواب عن الثاني : هو أن اجتماع الفعل والفاء في الآيتين [الكريمتين] (٥) غير مبطل للمدّعي بتعاقبهما وهو أن المدعي تعاقبهما ، إذا كان الفعل صالحا لأن يجازى به ؛ وهو إذا ما كان صالحا للاستقبال ؛ لأن الجزاء لا يكون إلا مستقبلا.
وقوله : «صدقت» و «كذبت» المراد بالفعل في الآية المضيّ ؛ فلم يصح أن يكون جوابا فوجبت الفاء.
فإن قيل : فلم سقطت «الفاء» في قوله : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى : ٣٧)؟ قلنا عنه ثلاثة أجوبة :
__________________
(١) في المخطوطة (ومن).
(٢) صدر بيت عجزه :
والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان
وقائله هو عبد الرحمن بن حسان وهو من شواهد سيبويه ٣ / ٦٥ (باب الجزاء) ، والمغني : ٥٦ (أما).
(٣) في المخطوطة (استعمالها بنفسها).
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٥) ليست في المطبوعة.