(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام : ١) ، ف «ثم» هنا لتفاوت رتبة الخلق والجعل من رتبة العدل ، مع السكوت عن وصف العادلين. ومثله قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (البلد : ١١) ، إلى قوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (البلد : ١٧) ، دخلت لبيان تفاوت رتبة الفكّ والإطعام ، من رتبة الإيمان ، إلا أن فيها زيادة تعرّض لوصف المؤمنين بقوله : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد : ١٧).
وذكر غيره في قوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام : ١) : أن «ثم» دخلت لبعد ما بين الكفر وخلق السموات والأرض.
وعلى ذلك جرى الزمخشري في مواضع كثيرة من «الكشاف» ، كقوله تعالى : ([وَإِنِّي] (١) لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (طه : ٨٢). وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) (الأحقاف : ١٣) ، قال (٢) : «كلمة التراخي دلّت على [تباين] (٣) المنزلتين ؛ دلالتها على تباين الوقتين ، في «جاءني زيد ثم عمرو ـ أعني أن منزلة الاستقامة على الخير مباينة لمنزلة الخير نفسه ؛ لأنها أعلى منها وأفضل».
ومنه قوله تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (المدثر : ١٨ إلى ٢٠) (٤) «إن قلت : ما معنى «ثم» الداخلة في تكرير الدعاء؟ قلت : الدلالة على أن الكرّة الثانية [من الدعاء] (٥) أبلغ من الأولى».
وقوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (البلد : ١٧) ، قال (٦) : «جاء ب «ثمّ» لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة على العتق والصدقة ، لا في الوقت ، لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره».
وقال الزمخشري (٧) في قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (النحل : ١٢٣) : «إن «ثم» [ما] (٨) فيها من تعظيم منزلة النبي صلىاللهعليهوسلم وإجلال محلّه والإيذان بأنّه
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) في الكشاف ٢ / ٤٤٣ ، سورة الآية (٨٢).
(٣) ساقطة من المخطوطة.
(٤) الكشاف ٤ / ١٥٨.
(٥) ساقطة من المخطوطة والكشاف.
(٦) في الكشاف ٤ / ٢١٤.
(٧) في الكشاف ٢ / ٣٤٨.
(٨) ساقطة من المطبوعة.