أولى وأشرف ما أوتي خليل (١) الله [صلىاللهعليهوسلم] من الكرامة ، وأجلّ ما أوتي من النعمة أتباع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ملّته».
واعلم أنّه بهذا التقدير يندفع الاعتراض بأن «ثم» قد تخرج عن الترتيب والمهلة وتصير كالواو ؛ لأنه إنما يتم على أنها تقتضي الترتيب الزماني لزوما ، أما إذا قلنا : إنها ترد لقصد التفاوت والتراخي عن الزّمان لم يحتج إلى الانفصال عن شيء مما ذكر من هذه الآيات الشريفة ، (٢) لا أن تقول (٢) : إن «ثمّ» قد تكون بمعنى الواو.
والحاصل أنها للتراخي في الزمان ، وهو المعبّر عنه بالمهلة ، وتكون للتباين في الصفات وغيرها (٣) من غير قصد مهلة زمانية ، بل ليعلم موقع ما يعطف (٤) بها وحاله ، وأنه لو انفرد لكان كافيا فيما قصد [٢٩٦ / أ] فيه ، ولم يقصد في هذا ترتيب زمانيّ ، بل تعظيم الحال فيما عطف عليه وتوقعه ، وتحريك النفوس لاعتباره.
وقيل : تأتي للتعجب ، نحو : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام : ١). وقوله : (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ* كَلاَّ) (المدثر : ١٥ ـ ١٦) وقيل : بمعنى واو العطف ، كقوله : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) (يونس : ٤٦) ، أي هو شهيد. وقوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (القيامة : ١٩). والصواب أنها على بابها لما سبق قبله. وقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) (الأعراف : ١١) ، وقد أمر الله الملائكة بالسجود قبل خلقنا ، فالمعنى : وصوّرناكم. [وقيل] (٥) على بابها ، والمعنى : ابتدأنا خلقكم ؛ لأن الله تعالى خلق آدم من تراب ثم صوّره وابتدأ خلق الإنسان من نطفة ثم صوّره.
وأما قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً) (الأنعام : ٢) ، وقد كان قضى الأجل ، فمعناه : أخبركم أني خلقته من طين ، ثم أخبركم أني قضيت الأجل ، وهذا يكون في الجمل ، فأما عطف المفردات فلا تكون إلا للترتيب. قاله ابن فارس (٦).
قيل : وتأتي زائدة ، كقوله تعالى : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) (التوبة : ١١٨) إلى قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) (التوبة : ١١٨) ، لأن «تاب» جواب «إذا» من قوله : (حَتَّى إِذا
__________________
(١) في المخطوطة (الخليل).
(٢) في المخطوطة (ولأنا نقول).
(٣) في المخطوطة (ونحوها).
(٤) في المخطوطة (يعطفه).
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٦) الصاحبي في فقه اللغة : ١١٩ ـ ١٢٠ باب (ثم).