وجب أن يجعل هذا بمعنى «إن» الشرطية ؛ لأنّ هذا شيء لم يكن ، فهي مكان [«إن»] (١) ، لأنّ الشرط يمكن أن يكون وألاّ يكون ، ألا ترى إلى ظهورها في قوله [تعالى] (١) : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) (النساء : ١٣٣) (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) (سبأ : ٩) ، وإنما أجازك «إذا» أن تقع موقع «إن» لما بينهما من التداخل والتشابه.
وقال ابن الخويّي (٢) : «الذي أظنه أنه يجوز دخولها على المتيقّن والمشكوك ، لأنها ظرف وشرط ، فبالنظر إلى الشرط تدخل (٣) على المشكوك ، ك «إن» وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقّن كسائر الظروف».
وإنما اشترط فيما تدخل عليه «إن» أن يكون مشكوكا فيه ؛ لأنها تفيد الحثّ على الفعل المشروط لاستحقاق الجزاء ، ويمتنع فيه لامتناع (٤) الجزاء ، وإنما يحثّ على فعل ما يجوز ألاّ يقع ، أما ما لا بدّ من وقوعه فلا يحثّ عليه. وإنما امتنع دخول «إذا» على المشكوك إذا لحظت فيها الظرفية ، لأن المعنى حينئذ التزام الجزاء في زمان وجود (٥) [الشرط ، والتزام الشيء في زمان لا يعلم وجود] (٥) شرط فيه ليس بالتزام.
ولما كان الفعل بعد «إن» مجزوما به يستعمل فيه ما ينبىء عن تحققه ، فيغلب لفظ الماضي ، كقوله : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) (الأعراف : ١٣١) ؛ فجيء ب «إذا» في جانب الحسنة ، وب «إن» في جانب السيئة ؛ لأن المراد بالحسنة (٥) [جنس الحسنة] (٥) ، ولهذا عرّفت ، وحصول الحسنة المطلقة (٥) [مقطوع به ، فاقتضت البلاغة التعبير ب «إذا» وجيء ب «إن» في جانب السيئة ، لأنها نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة] (٥) ، كالمرض بالنسبة إلى الصحة ، والخوف بالنسبة إلى الأمن.
ومنه قوله تعالى في سورة الروم : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الآية : ٣٦). وقوله : (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى ابن الجويني ، وابن الخويّي تقدمت ترجمته في ٤ / ١٦٦. وقد ذكر قوله السيوطي في الإتقان ٢ / ١٥١ ، النوع الأربعون. (إذا).
(٣) في المخطوطة (يدخل).
(٤) في المخطوطة (امتناع).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.