وأما إذا كانت المقاربة منفية ، فلأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عرفا عدم حصوله ، وإلاّ لم يتجه الإخبار بقربه ؛ فأما قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (البقرة : ٧١) ؛ فإنها منفيّة مع إثبات الفعل لهم في قوله : (فَذَبَحُوها).
ووجهه أيضا إخبار (١) عن حالهم في أول الأمر ، فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها ، بدليل ما ذكر الله عنهم من تعنّتهم. وحصول الفعل إنّما فهمناه من دليل آخر ، وهو وقوله : (فَذَبَحُوها).
والأقرب أن يقال : إنّ النفي وارد على الإثبات ، (٢) [وإثبات هذا إنما هو قارب الفعل بنفسه لم يقارب ، وإذا لم يقارب فهو لم يفعله بعد] (٢) والمعنى هنا : «وما كادوا يفعلون الذبح قبل ذلك» ، لأنهم قالوا : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) (البقرة : ٦٧) وغير ذلك من التشديد.
وأما قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (الإسراء : ٧٤) فالمعنى على النّفي ، وأنه (٣) صلىاللهعليهوسلم لم يركن إليهم لا قليلا ولا كثيرا ، من جهة أن «لو لا» الامتناعية تقتضي ذلك ، وأنه امتنع مقاربة الركون القليل لأجل وجود التثبيت ، لينتفي الكثير من طريق الأولى.
وتأمّل كيف جاء «كاد» المقتضية المقاربة للفعل ، ونقل (٤) الظاهرة في التقليل (٥) ، كلّ ذلك تعظيما لشأن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وما جبلت عليه نفسه الزكية من كونه لا يكاد يركن إليهم شيئا قليلا ، [ولا كثيرا] (٦) للتثبيت مع ما جبلت عليه. هكذا ينبغي أن يفهم معنى [هذه] (٧) الآية ، خلافا لما وقع في كتب التفسير من ابن عطيّة وغيره ، فهم عن هذا المعنى اللّطيف بمعزل.
وحكى الشريف الرضي في كتاب «الغرر (٨)» ثلاثة أقوال في قوله تعالى : (لَمْ يَكَدْ يَراها) (النور : ٤٠).
(الأول) : أنها دالة على الرؤية بعسر ، أي رآها بعد عسر وبطء لتكاثف الظلم.
__________________
(١) عبارة المخطوطة (ووجهه أنه إخبار ...).
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) في المخطوطة (لأنه).
(٤) في المطبوعة (بقدر).
(٥) في المطبوعة (للتقليل).
(٦) ليست في المطبوعة.
(٧) ليست في المخطوطة.
(٨) انظر «أمالي المرتضى» ١ / ٣٣١ وما بعدها مع تصرف في النقل.