ـ (أحدها) : بمعنى «سمّى» ، كقوله تعالى : ([الَّذِينَ] (١) جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (الحجر : ٩١) ، أي سموه كذبا ، وقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (الزخرف : ١٩) على قول. ويشهد له قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) (النجم : ٢٧).
ـ (الثاني) : بمعنى المقاربة ، مثل «كاد» و «طفق» ، لكنها تفيد ملابسة الفعل والشروع فيه ، تقول : جعل يقول ، وجعل يفعل كذا ؛ إذا شرع فيه.
ـ (الثالث) : بمعنى الخلق والاختراع ، فتعدّى لواحد ، كقوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (الأنعام : ١) ، أي خلقهما. (فإن قيل) : ما الفرق بين الجعل والخلق؟ (قيل) : «إن الخلق فيه معنى التقدير ، وفي الجعل معنى التصيير (٢) كإنشاء شيء من شيء ، أو تصيير شيء شيئا. أو نقله من مكان ، ويتعدى لمفعول واحد» ؛ لأنه لا يتعلق (٣) إلا بواحد ، وهو المخلوق.
وأيضا ، فالخلق يكون عن عدم سابق ؛ حيث لا يتقدم مادة ولا سبب محسوس ، والجعل يتوقف على موجود مغاير للمجعول ، يكون منه المجعول أو عنه ، كالمادة والسبب.
ولا يرد في القرآن العظيم لفظ «جعل» في الأكثر مرادا به الخلق ؛ إلا حيث يكون قبله ما يكون عنه أو منه ، [أو] (٤) شيئا فيه محسوسا عنه ، فيكوّن ذلك المخلوق الثاني ، بخلاف «خلق» فإن العبارة تقع كثيرا [به] (٤) عمّا لم يتقدم وجوده وجود مغاير ، يكون عنه هذا الثاني ، قال الله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (الأنعام : ١) وإنما الظّلمات والنّور عن أجرام توجد بوجودها ، وتعدم بعدمها.
وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) (الرعد : ٣). وقال : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) (الزخرف : ١٢). وقال سبحانه في سورة الأعراف : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) (الأعراف : ١٨٩). وفي سورة النساء : (وَخَلَقَ مِنْها
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) في المخطوطة و «الكشاف» ٢ / ٢ هي (التضمين).
(٣) عبارة المخطوطة (لأنه ما يتعلق إلا من واحد).
(٤) ليست في المخطوطة.